قوله (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم) قد تقدم تفسير هذا في سورة الحديد (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) هم بنو النضير، وهم رهط من اليهود من ذرية هارون، نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظارا منهم لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فغدروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن عاهدوه، وصاروا عليه مع المشركين، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رضوا بالجلاء. قال الكلبي: كانوا أول من أجلى من أهل الذمة من جزيرة العرب، ثم أجلي آخرهم في زمن عمر بن الخطاب، فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة، وآخر حشر إجلاء عمر لهم. وقيل إن أول الحشر إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام، وقيل آخر الحشر هو حشر جميع الناس إلى أرض المحشر، وهي الشام. قال عكرمة: من شك أن المحشر يوم القيامة في الشام فليقرأ هذه الآية، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: أخرجوا، قالوا إلى أين؟ قال إلى أرض المحشر. قال ابن العربي: الحشر أول وأوسط وآخر، فالأول إجلاء بني النضير، والأوسط إجلاء أهل خيبر، والآخر يوم القيامة.
وقد أجمع المفسرون على أن هؤلاء المذكورين في الآية هم بنو النضير، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري فقال: هم بنو قريظة، وهو غلط، فإن بني قريظة ما حشروا، بل قتلوا بحكم سعد بن معاذ لما رضوا بحكمه، فحكم عليهم بأن تقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد:
لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. واللام في لأول الحشر متعلقة بأخرج، وهي لام التوقيت كقوله - لدلوك الشمس - (ما ظننتم أن يخرجوا) هذا خطاب للمسلمين: أي ما ظننتم أيها المسلمون أن بني النضير يخرجون من ديارهم لعزتهم ومنعتهم، وذلك أنهم كانوا أهل حصون مانعة وعقار ونخيل واسعة، وأهل عدد وعدة (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله، وقوله مانعتهم خبر مقدم، وحصونهم مبتدأ مؤخر، والجملة خبر أنهم، ويجوز أن يكون مانعتهم خبر أنهم وحصونهم فاعل مانعتهم، ورجح الثاني أو حيان، والأول أولى (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) أي أتاهم أمر الله من حيث لم يخطر ببالهم أنه يأتيهم أمره من تلك الجهة، وهو أنه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك، وقيل هو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف قاله ابن جريج والسدي وأبو صالح، فإن قتله أضعف شوكتهم. وقيل إن الضمير في أتاهم ولم يحتسبوا للمؤمنين: أي فأتاهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا، والأول أولى لقوله (وقذف في قلوبهم الرعب) فإن قذف الرعب كان في قلوب بني النضير، لا في قلوب