لأن به يحصل الحرص على الأعمال الصالحة والفرار من الأعمال الطالحة فكيف بالوصول إلى هذه النعم وبالتنعم بها في جنات النعيم بلا انقطاع ولا زوال (كأنهن الياقوت والمرجان) هذا صفة لقاصرات، أو حال منهن، شبههن سبحانه في صفاء اللون مع حمرته بالياقوت والمرجان، والياقوت هو الحجر المعروف، والمرجان قد قدمنا الكلام فيه في هذه السورة على الخلاف في كونه صغار الدر، أو الأحمر المعروف. قال الحسن: هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان، وإنما خص المرجان على القول بأنه صغار الدر، لأن صفاءها أشد من صفاء كبار الدر (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن نعمه كلها لا يتيسر تكذيب شئ منها كائنة ما كانت، فكيف بهذه النعم الجليلة والمنن الجزيلة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، والمعنى ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة، كذا قال ابن زيد وغيره. قال عكرمة: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله إلا الجنة، وقال الصادق: هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه في الأبد. قال الرازي:
في هذه الآية وجوه كثيرة حتى قيل: إن في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول: إحداها قوله تعالى - فاذكروني أذكركم - وثانيها - وإن عدتم عدنا - وثالثها (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان). قال محمد بن الحنفية:
هي للبر والفاجر: البر في الآخرة، والفاجر في الدنيا (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن من جملتها الإحسان إليكم في الدنيا والآخرة بالخلق والرزق والإرشاد إلى العمل الصالح والزجر عن العمل الذي لا يرضاه (ومن دونهما جنتان) أي ومن دون تينك الجنتين الموصوفتين بالصفات المتقدمة جنتان أخريان لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة، ومعنى من دونهما: أي من أمامهما ومن قبلهما: أي هما أقرب منهما وأدنى إلى العرش، وقيل الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى. قال ابن جريج: هي أربع جنات:
جنتان منهما للسابقين المقربين - فيهما من كل فاكهة زوجان - وعينان تجريان، وجنتان لأصحاب اليمين - فيهما فاكهة ونخل ورمان - و - فيهما عينان نضاختان: قال ابن زيد: إن الأوليين من ذهب للمقربين، والأخريين من ورق لأصحاب اليمين (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإنها كلها حق ونعم لا يمكن جحدها. ثم وصف سبحانه هاتين الجنتين الأخريين فقال (مدهامتان) وما بينهما اعتراض. قال أبو عبيدة والزجاج: من خضرتهما قد اسودتا من الزي، وكل ما علاه السواد ريا فهو مدهم. قال مجاهد: مسودتان، والدهمة في اللغة: السواد، يقال فرس أدهم وبعير أدهم: إذا اشتدت ورقته حتى ذهب البياض الذي فيه (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن جميعها نعم ظاهره واضحة لا تجحد ولا تنكر (فيهما عينان نضاختان) النضخ فوران الماء من العين، والمعنى: أن في الجنتين المذكورتين عينين فوارتين. قال أهل اللغة: والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضخ بالحاء المهملة. قال الحسن ومجاهد: تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر. وقال سعيد بن جبير: إنها تنضخ بأنواع الفواكه والماء (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإنها ليست بموضع للتكذيب ولا بمكان للجحد (فيهما فاكهة ونخل ورمان) هذا من صفات الجنتين المذكورتين قريبا، والنخل والرمان وإن كانا من الفاكهة لكنهما خصصا بالذكر لمزيد حسنهما وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه كما حكاه الزجاج والأزهري وغيرهما. وقيل إنما خصهما لكثرتهما في أرض العرب، وقيل خصهما لأن النخل فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء. وقد ذهب إلى أنهما من جملة الفاكهة جمهور أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن من جملتها هذه النعم التي في جنات النعيم، ومجرد الحكاية لها أثر في نفوس السامعين وتجذبهم إلى طاعة رب العالمين (فيهن خيرات حسان) قرأ الجمهور " خيرات "