قال أبو عبيدة: النفاثات هن بنات لبيد الأعصم اليهودي، سحرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قرأ الجمهور " النفاثات " جمع نفاثة على المبالغة. وقرأ يعقوب وعبد الرحمن بن ساباط وعيسى بن عمر " النافثات " جمع نافثة. وقرأ الحسن " النفاثات " بضم النون. وقرأ أبو الربيع " النفثات " بدون ألف (ومن شر حاسد إذا حسد) الحسد: تمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود. قال عمر بن عبد العزيز: لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد، وقد نظم الشاعر: هذا المعنى فقال:
قل للحسود إذا تنفس طعنة * يا ظالما وكأنه مظلوم ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاستعاذة من شر كل مخلوقاته على العموم، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شره ومزيد ضره، وهو الغاسق والنفاثات والحاسد، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشر حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر.
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة قال " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ (قل أعوذ برب الفلق) فقال: يا ابن عبسة أتدري ما الفلق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: بئر في جهنم ". وأخرجه ابن أبي حاتم من قول عمرو بن عبسة غير مرفوع. وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اقرأ (قل أعوذ برب الفلق) هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتحت سعرت جهنم " وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله عز وجل (قل أعوذ برب الفلق) فقال: هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتتعوذ بالله منه ". وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الفلق جب في جهنم ".
وهذه الأحاديث لو كانت صحيحة ثابته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان المصير إليها واجبا، والقول بها متعينا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الفلق سجن في جهنم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: الفلق الصبح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: الفلق الخلق. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (ومن شر غاسق إذا وقب) وقال: النجم هو الغاسق، وهو الثريا.
وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه غير مرفوع. وقد قدمنا تأويل هذا، وتأويل ما ورد أن الغاسق القمر. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا ارتفعت النجوم رفعت كل عاهة عن كل بلد " وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن الغاسق هو النجم أو النجوم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس (ومن شر غاسق إذا وقب) قال: الليل إذا أقبل. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (ومن شر النفاثات في العقد) قال: الساحرات. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: هو ما خالط السحر من الرقي. وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه ". وأخرج ابن سعد وابن ماجة والحاكم وابن مردويه عن أبي هريرة قال " جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني فقال: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟