لقوله - فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد - وقيل هو عيسى بن مريم لقوله - وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيها - والمشهود على هذه الأقوال الثلاثة إما أمة محمد، أو أمم الأنبياء، أو أمة عيسى. وقيل الشاهد آدم. والمشهود ذريته. وقال محمد بن كعب: الشاهد الإنسان لقوله - كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا - وقال مقاتل: أعضاؤه لقوله - يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون - وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمة، والمشهود سائر الأمم لقوله - وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس - وقيل الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم، وقيل الأيام والليالي. وقيل الشاهد الخلق يشهدون لله عز وجل بالوحدانية، والمشهود له بالوحدانية هو الله سبحانه، وسيأتي بيان ما ورد في تفسير الشاهد والمشهود، وبيان ما هو الحق إن شاء الله (قتل أصحاب الأخدود) هذا جواب القسم، واللام فيه مضمرة، وهو الظاهر، وبه قال الفراء وغيره، وقيل تقديره:
لقد قتل، فحذفت اللام وقد، وعلى هذا تكون الجملة خبرية، والظاهر أنها دعائية، لأن معنى قتل لعن. قال الواحدي: في قول الجميع، والدعائية لا تكون جوابا للقسم، فقيل الجواب قوله - إن الذين فتنوا المؤمنين - وقيل قوله - إن بطش ربك لشديد - وبه قال المبرد: واعترض عليه بطول الفصل وقيل هو مقدر يدل عليه قوله (قتل أصحاب الأخدود) كأنه قال أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود، وقيل تقدير الجواب: لتبعثن، واختاره ابن الأنباري. وقال أبو حاتم السجستاني وابن الأنباري أيضا: في الكلام تقديم وتأخير: أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج، واعترض عليه بأنه لا يجوز أن يقال: والله قام زيد، والأخدود: الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق، وجمعه أخاديد، ومنه الخد لمجاري الدموع، والمخدة لأن الخد يوضع عليها، ويقال تخدد وجه الرجل: إذا صارت فيه أخاديد من خراج، ومنه قول طرفة:
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها * عليه نقي اللون لم يتخدد * وسيأتي بيان حديث أصحاب الأخدود إن شاء الله. قرأ الجمهور (النار ذات الوقود) بجر النار على أنها بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل عليها، وذات الوقود وصف لها بأنها نار عظيمة والوقود: الحطب الذي توقد به، وقيل هو بدل كل من كل، لا بدل اشتمال. وقيل إن النار مخفوضة على الجوار، كذا حكى مكي عن الكوفيين. وقرأ الجمهور بفتح الواو من الوقود، وقرأ قتادة وأبو رجاء ونصر بن عاصم بضمها. وقرأ أشهب العقيلي وأبو حيوة وأبو السماك العدوي وابن السميفع وعيسى برفع النار على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي هي النار، أو على أنها فاعل فعل محذوف: أي أحرقتهم النار (إذ هم عليها قعود) العامل في الظرف قتل: أي لعنوا حين أحذقوا بالنار قاعدين على ما يدنوا منها، ويقرب إليها. قال مقاتل: يعني عند النار قعود يعرضونهم على الكفر. وقال مجاهد: كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود (وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) أي الذين خدوا الأخدود، وهم الملك وأصحابه، على ما يفعلون بالمؤمنين من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم شهود: أي حضور، أو يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمر به. وقيل يشهدون بما فعلوا يوم القيامة، ثم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم. وقيل على بمعنى مع، والتقدير: وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود. قال الزجاج: أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله (وما نقموا منهم) أي ما أنكروا عليهم ولا عابوا منهم (إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد): أي إلا أن صدقوا بالله الغالب المحمود في كل حال. قال الزجاج: ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم، وهذا كقوله - هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله - وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قوله: