سورة الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا، وقد تقدم بيانه في الفرقان عند تفسير قوله - فجعلناه هباء منثورا - قرأ الجمهور " منبثا " بالمثلثة. وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة بالتاء المثناة من فوق: أي منقطعا، من قولهم بته الله:
أي قطعه. ثم ذكر سبحانه أحوال الناس واختلافهم فقال (وكنتم أزواجا ثلاثة) والخطاب لجميع الناس أو للأمة الحاضرة، والأزواج الأصناف، والمعنى: وكنتم في ذلك اليوم أصنافا ثلاثة. ثم فسر سبحانه هذه الأصناف فقال (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) أي أصحاب اليمين، وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأصحاب الميمنة مبتدأ، وخبره: ما أصحاب الميمنة: أي أي شئ هم في حالهم وصفتهم، والاستفهام للتعظيم والتفخيم، وتكرير المبتدأ هنا بلفظه مغن عن الضمير الرابط، كما في قوله - الحاقة ما الحاقة - - والقارعة ما القارعة - ولا يجوز مثل هذا إلا في مواضع التفخيم والتعظيم (و) الكلام في (أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) كالكلام في أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، والمراد الذي يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار أو يأخذون صحائف أعمالهم بشمالهم، والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة والفظاعة، كأنه قيل: فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وحسن الحال، وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وسوء الحال. وقال السدي: أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وأصحاب المشأمة هم الذين كانوا عن شماله. وقال زيد ابن أسلم: أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشامة هم الذين أخذوا من شقة الأيسر.
وقال ابن جريج: أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات. وقال الحسن والربيع:
أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة، وأصحاب المشأمة هم المشائيم على أنفسهم بالأعمال القبيحة.
وقال المبرد: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، والعرب تقول: اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك: أي اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين، ومنه قول ابن الدمينة:
أبنيتي أفي يمنى يديك جعلتني * فأفرح أم صيرتني في شمالك ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث فقال (والسابقون السابقون) والتكرير فيه للتفخيم والتعظيم كما مر في القسمين الأولين، كما تقول أنت أنت وزيد زيد، والسابقون مبتدأ، وخبره السابقون. وفيه تأويلان: أحدهما أنه بمعنى السابقون هم الذين اشتهرت حالهم بذلك. والثاني أن متعلق السابقين مختلف، والتقدير: والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة. والأول أولى لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم. قال الحسن وقتادة: هم السابقون إلى الإيمان من كلامه. وقال محمد بن كعب: إنهم الأنبياء. وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين.
وقال مجاهد: هم الذين سبقوا إلى الجهاد، وبه قال الضحاك. وقال سعيد بن جبير: هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر. وقال الزجاج: المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله. قيل ووجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأولين هو أن يقترن به وما بعده، وهو قوله (أولئك المقربون في جنات النعيم) فالإشارة هي إليهم: أي المقربون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته، أو الذين قربت درجاتهم وأعليت مراتبهم عند الله. وقوله " في جنات النعيم " متعلق بالمقربون: أي مقربون عند الله في جنات النعيم. ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لأولئك، وأن يكون حالا من الضمير في المقربون: أي كائنين فيها. قرأ الجمهور " في جنات " بالجمع، وقرأ طلحة بن مصرف " في جنة " بالإفراد، وإضافة الجنات إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه كما يقال: دار الضيافة ودار الدعوة ودار العدل، وارتفاع (ثلة من الأولين) على أنه خبر مبتدإ محذوف: أي