وقرأ ابن مسعود والأعمش كقراءة الجمهور مع فتح الغين وهي لغة ربيعة. وقرأ الحسن وعكرمة بضمها وهي لغة عكل (فمن يهديه من بعد الله) أي من بعد إضلال الله له ((أفلا تذكرون) تذكر اعتبار حتى تعلموا حقيقة الحال. ثم بين سبحانه بعض جهالاتهم وضلالاتهم فقال (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي ما الحياة إلا الحياة التي نحن فيها (نموت ونحيا) أي يصيبنا الموت والحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة، وقيل نموت نحن ويحيا فيها أولادنا، وقيل نكون نطفا ميتة ثم نصير أحياء، وقيل في الآية تقديم وتأخير: أي نحيا ونموت وكذا قرأ ابن مسعود، وعلى كل تقدير فمرادهم بهذه المقالة إنكار البعث وتكذيب الآخرة (وما يهلكنا إلا الدهر) أي إلا مرور الأيام والليالي قال مجاهد: يعني السنين والأيام. وقال قتادة: إلا العمر، والمعنى واحد. وقال قطرب: المعنى وما يهلكنا إلا الموت. وقال عكرمة: وما يهلكنا إلا الله (وما لهم بذلك من علم) أي ما قالوا هذه المقالة إلا شاكين غير عالمين بالحقيقة. ثم بين كون ذلك صادرا منهم لا عن علم فقال (إن هم إلا يظنون) أي ما هم إلا قوم غاية ما عندهم الظن فما يتكلمون إلا به، ولا يستندون إلا إليه (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) أي إذا تليت آيات القرآن على المشركين حال كونها بينات واضحات ظاهرة المعنى والدلالة على البعث (ما كان حجهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) أنا نبعث بعد الموت: أي ما كان لهم حجة ولا متمسك إلا هذا القول الباطل الذي ليس من الحجة في شئ، وإنما سماه حجة تهكما بهم. قرأ الجمهور بنصب حجتهم على أنه خبر كان، واسمها (إلا أن قالوا) وقرأ زيد بن علي وعمرو بن عبيد وعبيد بن عمرو برفع حجتهم على أنها اسم كان، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد عليهم فقال (قل الله يحييكم) أي في الدنيا (ثم يميتكم) عند انقضاء آجالكم (ثم يجمعكم إلى يوم القيامة) بالبعث والنشور (لا ريب فيه) أي في جمعكم، لأن من قدر على ابتداء الخلق قدر على إعادته (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) بذلك، فلهذا حصل معهم الشك في البعث، وجاءوا في دفعه بما هو أوهن من بيت العنكبوت، ولو نظروا حق النظر لحصلوا على العلم اليقين، واندفع عنهم الريب وأراحوا أنفسهم من ورطة الشك والحيرة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) يقول: على هدى من أمر دينه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله (سواء محياهم ومماتهم) قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان (وأضله الله على علم) يقول: أضله في سابق علمه. وأخرج النسائي وابن جرير وبن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال: كان الرجل من العرب يعبد الحجر، فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر، فأنزل الله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وبن مردويه عن أبي هريرة قال: كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار، فقال الله في كتابه (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) قال الله:
يؤذيني ابن آدم بسبب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ".