قوله (آمنوا بالله ورسوله) أي صدقوا بالتوحيد وبصحة الرسالة، وهذا خطاب لكفار العرب. ويجوز أن يكون خطابا للجميع، ويكون المراد بالأمر بالإيمان في حق المسلمين الاستمرار عليه، أو الازدياد منه. ثم لما أمرهم بالإيمان أمرهم بالإنفاق في سبيل الله فقال (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) أي جعلكم خلفاء في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة، فإن المال مال الله والعباد خلفاء الله في أمواله فعليهم أن يصرفوها فيما يرضيه وقيل جعلكم خلفاء من كان قبلكم ممن ترثونه، وسينتقل إلى غيركم ممن يرثكم فلا تبخلوا به. كذا قال الحسن وغيره.
وفيه الترغيب إلى الإنفاق في سبيل الخير قبل أن ينتقل عنهم ويصير إلى غيرهم. والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير، وما يرضاه الله على العموم، وقيل هو خاص بالزكاة المفروضة، ولا وجه لهذا التخصيص. ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله فقال (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) أي الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، وبين الإنفاق في سبيل الله لهم أجر كبير، وهو الجنة (وما لكم لا تؤمنون بالله) هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع: أي أي عذر لكم، وأي مانع من الإيمان، وقد أزيحت عنكم العلل، وما مبتدأ ولكم خبره ولا تؤمنون في محل نصب على الحال من الضمير في لكم، والعامل ما فيه من معنى الاستقرار، وقيل المعنى: أي شئ لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا؟ وجملة (والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم) في محل نصب على الحال من ضمير لا تؤمنون على التداخل، ولتؤمنوا متعلق بيدعوكم: أي يدعوكم للإيمان، والمعنى: أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه؟ وجملة (وقد أخذ ميثاقكم) في محل نصب على الحال من فاعل يدعوكم على التداخل أيضا: أي والحال أن قد أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم، أو بما نصب لكم من الأدلة الدالة على التوحيد ووجوب الإيمان. قرأ الجمهور " وقد أخذ " مبنيا للفاعل، وهو الله سبحانه لتقدم ذكره. وقرأ أبو عمرو على البناء للمفعول (إن كنتم مؤمنين) بما أخذ عليكم من الميثاق، أو بالحج والدلائل، أو إن كنتم مؤمنين بسبب من الأسباب فهذا أعظم أسبابه وأوضح موجباته (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات) أي واضحات ظاهرات، وهي الآيات القرآنية، وقيل المعجزات والقرآن أعظمها (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) أي ليخرجكم الله بتلك الآيات من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، أو ليخرجكم الرسول بتلك الآيات، أو بالدعوة (وإن الله بكم لرءوف رحيم) أي لكثيرة الرأفة والرحمة بليغهما حيث أنزل كتبه وبعث رسله الهداية عباده فلا رأفة ولا رحمة أبلغ من هذه، والاستفهام في قوله (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله) للتقريع والتوبيخ، والكلام في إعراب عن هذا كالكلام في إعراب قوله - وما لكم لا تؤمنون بالله - وفي هذه الآية دليل على أن الإنفاق المأمور به في قوله (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) هو الإنفاق في سبيل الله كما بينا ذلك، والمعنى: أي عذر لكم وأي شئ يمنعكم من ذلك، والأصل في أن لا تنفقوا، وقيل إن أن زائدة، وجملة (ولله ميراث السماوات والأرض) في محل نصب على الحال من فاعل " ألا تنفقوا " أو من مفعوله، والمعنى: أي شئ يمنعكم من الإنفاق في ذلك الوجه والحال أن كل ما في السماوات والأرض راجع إلى الله سبحانه بانقراض العالم. كرجوع الميراث إلى