(فالمقسمات أمرا) هي الملائكة التي تقسم الأمور. قال الفراء: تأتي بأمر مختلف: جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، وقيل تأتي بأمر مختلف من الجدب والخصب والمطر والموت والحوادث.
وقيل هي السحب التي يقسم الله بها أمر العباد، وقيل إن المراد بالذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات الرياح، فإنها توصف بجميع ذلك لأنها تذرو التراب وتحمل السحاب وتجري في الهواء وتقسم الأمطار، وهو ضعيف جدا. وانتصاب أمرا على المفعول به، وقيل على الحال: أي مأمورة، والأول أولى (إنما توعدون لصادق) هذا جواب القسم: أي إنما توعدون من الثواب والعقاب لكائن لا محالة. و " ما " يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية. ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أمورا بديعة مخالفة لمقتضى العادة، فمن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود به (والسماء ذات الحبك) قرأ الجمهور " الحبك " بضم الحاء والباء، وقرئ بضم الحاء وسكون الباء وبكسر الحاء وفتح الباء وبكسر الحاء وضم الباء. قال ابن عطية:
هي لغات، والمراد بالسماء هنا هي المعروفة، وقيل المراد بها السحاب، والأول أولى.
واختلف المفسرون في تفسير الحبك، فقال مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم: المعنى ذات الخلق المستوى الحسن. قال ابن الأعرابي: كل شئ أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته واحتبكته. وقال الحسن وسعيد بن جبير:
ذات الزينة. وروى عن الحسن أيضا أنه قال: ذات النجوم. وقال الضحاك: ذات الطرائق، وبه قال الفراء، يقال لما تراه من الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك. قال الفراء: الحبك بكسر: كل شئ كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة والماء إذا مرت به الريح، ويقال لدرع الحديد حبك، ومنه قول الشاعر:
كأنما جللها الحواك * طنفسة في وشيها حباك أي طرق، وقيل الحبك الشدة، والمعنى: والسماء ذات الشدة، والمحبوك الشديد الخلق من فرس أو غيره، ومنه قول الشاعر: قد غدا يحملني في أنفه * لاحق الأطلين محبوك ممر وقول الآخر: مرج الدين فأعددت له * مشرف الحارك محبوك الكتد قال الواحدي بعد حكاية القول الأول: هذا قول الأكثرين (إنكم لفي قول مختلف) هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك: أي إنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف متناقض في محمد صلى الله عليه وآله وسلم. بعضكم يقول إنه شاعر. وبعضكم يقول إنه ساحر، وبعضكم يقول إنه مجنون. ووجه تخصيص القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء، واستعمال الحبك في الطرائق هو الذي عليه أهل اللغة، وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه. على إنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا، وذلك بأن يقال: إن ما في السماء من الطرائق يصح أن يكون سببا لمزيد حسنها واستواء خلقها وحصول الزينة فيها ومزيد القوة لها. وقيل إن المراد بكونهم في قول مختلف أن بعضهم ينفى الحشر وبعضهم يشك فيه، وقيل كونهم يقرون أن الله خالقهم ويعبدون الأصنام (يؤفك عنه من أفك) أي يصرف عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء به، أو عن الحق، وهو البعث والتوحيد من صرف. وقيل يصرف عن ذلك الاختلاف من صرفه الله عنه بالعصمة والتوفيق، يقال أفكه يأفكه إفكا: أي قلبه عن الشئ وصرفه عنه، ومنه قوله تعالى - قالوا أجئتنا لتأفكنا - وقال مجاهد: يؤمن عنه من أفن، والأفن فساد العقل، وقيل يحرمه من حرم. وقال قطرب: يجدع عنه من جدع. وقال اليزيدي: يدفع عنه من دفع (قتل الخراصون) هذا دعاء عليهم. وحكى الواحدي عن