في وجوه المؤمنين، وقيل عبس في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وبسر) أي كلح وجهه وتغير، ومنه قول الشاعر:
صبحنا تميما غداة الحفار * بشهباء ملموسة باسره وقول الآخر: وقد رابني منها صدود رأيته * وإعراضها عن حاجتي وبسورها وقيل إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المحاورة، وظهور البسور في الوجه قبلها، والعرب تقول:
وجه باسر إذا تغير واسود. وقال الراغب: البسر استعجال الشر قبل أوانه نحو بسر الرجل حاجته: أي طلبها في غير أوانها. قال: ومنه قوله - عبس وبسر - أي أظهر العبوس قبل أوانه وقبل وقته، وأهل اليمن يقولون:
بسر المركب وأبسر: أي وقف لا يتقدم ولا يتأخر، وقد أبسرنا: أي صرنا إلى البسور (ثم أدبر واستكبر) أي أعرض عن الحق، وذهب إلى أهله، وتعظم عن أن يؤمن (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) أي يأثره عن غيره ويرويه عنه. والسحر: إظهار الباطل في صورة الحق، أو الخديعة على ما تقدم بيانه في سورة البقرة، يقال أثرت الحديث بأثره إذا ذكرته عن غيرك، ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تحاربتما * بين للسامع والأثر (إن هذا إلا قول البشر) يعني أنه كلام الإنس، وليس بكلام الله، وهو تأكيد لما قبله، وسيأتي أن الوليد بن المغيرة إنما قال هذا القول إرضاء لقومه بعد اعترافه أن له حلاوة، وأن عليه طلاوة إلى آخر كلامه. ولما قال هذا القول الذي حكاه الله عنه قال الله عز وجل (سأصليه سقر) أي سأدخله النار، وسقر من أسماء النار، ومن دركات جهنم، وقيل إن هذه الجملة بدل من قوله (سأرهقه صعودا) ثم بالغ سبحانه في وصف النار وشدة أمرها فقال (وما أدراك ما سقر) أي وما أعلمك أي شئ هي، والعرب تقول: وما أدراك ما كذا: إذا أرادوا المبالغة في أمره وتعظيم شأنه وتهويل خطبه، وما الأولى مبتدأ، وجملة ما سقر خبر المبتدأ. ثم فسر حالها فقال (لا تبقى ولا تذر) والجملة مستأنفة لبيان حال سقر، والكشف عن وصفها، وقيل هي في محل نصب على الحال، والعامل فيها معنى التعظيم، لأن قوله (وما أدراك ما سقر) يدل على التعظيم، فكأنه قال: استعظموا سقر في هذه الحال، والأول أولى، ومفعول الفعلين محذوف. قال السدي: لا تبقي لهم لحما ولا تزد لهم عظما. وقال عطاء:
لا تبقي من فيها حيا ولا تذره ميتا، وقيل هما لفظان بمعنى واحد، كررا للتأكيد كقولك: صد عني، وأعرض عني (لواحة للبشر) قرأ الجمهور " لواحة " بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف، وقيل على أنه نعت لسقر، والأول أولى. وقرأ الحسن وعطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر وابن أبي عبلة وزيد بن علي بالنصب على الحال أو الاختصاص للتهويل، يقال: لاح يلوح: أي ظهر، والمعنى: أنها تظهر للبشر. قال الحسن: تلوح لهم جهنم حتى يرونها عيانا كقوله - وبرزت الجحيم لمن يرى - وقيل معنى (لواحة للبشر) أي مغيرة لهم ومسودة. قال مجاهد: والعرب تقول: لاحه الحر والبرد والسقم والحزن: إذا غيره، وهذا أرجح من الأول، وإليه ذهب جمهور المفسرين، ومنه قول الشاعر:
وتعجب هند أن رأتني شاحبا * تقول لشئ لوحته السمايم أي غيرته، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
لوح منه بعد بدن وشبق * تلويحك الضامر يطوي للسبق