تقديره فتعسوا بدليل ما بعده، ودخلت الفاء تشبيها للمبتدإ بالشرط، وانتصاب تعسا على المصدر للفعل المقدر خبرا. قال الفراء: مثل سقيا لهم ورعيا، وأصل التعس الانحطاط والعثار. قال ابن السكيت: التعس أن يجر على وجهه، والنكس أن يجر على رأسه، قال: والتعس أيضا الهلاك. قال الجوهري: وأصله الكب وهو ضد الانتعاش، ومنه قول مجمع بن هلال:
تقول وقد أفردتها من حليلها * تعست كما أتعستني يا مجمع قال المبرد: أي فمكروها لهم، وقال ابن جريج: بعدا لهم، وقال السدي: خزيا لهم. وقال ابن زيد: شقاء لهم. وقال الحسن: شتما لهم. وقال ثعلب: هلاكا لهم، وقال الضحاك: خيبة لهم: وقيل قبحا لهم، حكاه النقاش. وقال الضحاك: رغما لهم. وقال ثعلب أيضا: شرا لهم. وقال أبو العالية: شقوة لهم. واللام في لهم للبيان كما في قوله - هيت لك - وقوله (وأضل أعمالهم) معطوف على ما قبله داخل معه في خبرية الموصول، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم مما ذكره الله من التعس والإضلال: أي الأمر ذلك، أو ذلك الأمر (بأنهم كرهوا ما أنزل الله) على رسوله من القرآن، أوما أنزل على رسله من كتبه لاشتمالها على ما في القرآن من التوحيد والبعث (فأحبط) الله (أعمالهم) بذلك السبب، والمراد بالأعمال ما كانوا عملوا من أعمال الخير في الصورة وإن كانت باطلة من الأصل، لأن عمل الكافر لا يقبل قبل إسلامه. ثم خوف سبحانه الكفار وأرشدهم إلى الاعتبار بحال من قبلهم فقال (أفلم يسيروا في الأرض) أي ألم يسيروا في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) أي آخر أمر الكافرين قبلهم، فإن آثار العذاب في ديارهم باقية.
ثم بين سبحانه ما صنع بمن قبلهم فقال (دمر الله عليهم) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، والتدمير الإهلاك:
أي أهلكهم واستأصلهم، يقال دمره ودمر عليه بمعنى. ثم توعد مشركي مكة فقال (وللكافرين أمثالها) أي لهؤلاء الكافرين أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرة. قال الزجاج وابن جرير: الضمير في أمثالها يرجع إلى عاقبة الذين من قبلهم، وإنما جمع لأن العواقب متعددة بحسب تعدد الأمم المعذبة، وقيل أمثال العقوبة، وقيل الهلكة، وقيل التدميرة والأول أولى لرجوع الضمير إلى ما هو مذكور قبله، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما ذكر من أن للكافرين أمثالها (بأن الله مولى الذين آمنوا) أي بسبب أن الله ناصرهم (وأن الكافرين لا مولى لهم) أي لا ناصر يدفع عنهم. وقرأ ابن مسعود " ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا " قال قتادة: نزلت يوم أحد (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) قد تقدم تفسير الآية في غير موضع، وتقدم كيفية جرى الأنهار من تحت الجنات، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام) أي يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه (والنار مثوى لهم) أي مقام يقيمون به، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه، والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) قال: هم أهل مكة قريش نزلت فيهم (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال: هم أهل المدينة الأنصار (وأصلح بالهم) قال: أمرهم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله (أضل أعمالهم) قال: كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملا. وأخرج النحاس عنه أيضا في قوله (فإما منا بعد وإما فداء) قال: فجعل الله النبي والمؤمنين بالخيار في الأسار، إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم،