بني إسرائيل - وبالوالدين إحسانا - فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية، وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية: أي وصيناه أن يحسن إليهما حسنا، أو إحسانا، وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا، وقيل على أنه مفعول له (حملته أمه كرها ووضعته كرها) قرأ الجمهور " كرها " في الموضعين بضم الكاف. وقرأ أبو عمرو وأهل الحجاز بفتحهما. قال الكسائي: وهما لغتان بمعنى واحد. قال أبو حاتم: الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة، واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال: لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة - كتب عليكم القتال وهو كره لكم - وقيل إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل على غيره. وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيدا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به، والمعنى:
أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره. ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) أي مدتهما هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع: أي يقطم عنه، وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان: أي مدة الرضاع الكامل كما قوله - حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة - فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع. وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ولم يشاركها الأب في شئ من ذلك. قرأ الجمهور " وفصاله " بالألف، وقرأ الحسن ويعقوب وقتادة والجحدري " وفصله " بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف، والفصل والفصال بمعنى: كالفطم والفطام والقطف والقطاف (حتى إذا بلغ أشده) أي بلغ استحكام قوته وعقله، وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها: أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده، قيل بلغ عمرة ثماني عشرة سنة، وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي وابن زيد. وقال الحسن: هو بلوغ الأربعين، والأول أولى لقوله (وبلغ أربعين سنة) فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شئ وراء بلوغ الأشد. قال المفسرون: لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة (قال رب أوزعني) أي ألهمني. قال الجوهري: استوزعت الله فأوزعني: أي استلهمته فألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) أي الهمني شكر ما أنعمت به على من الهداية، وعلى والدي من التحنن على منهما حين ربياني صغيرا. وقيل أنعمت على بالصحة والعافية، وعلى والدي بالغنى والثروة، والأولى عدم تقييد النعمة عليه وعلى أبويه بنعمة مخصوصة (وأن أعمل صالحا ترضاه) أي وألهمني أن أعمل عملا صالحا ترضاه منى (وأصلح لي في ذريتي) أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه. وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات، وقد روى أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث (إني تبت إليك) من ذنوبي (وإني من المسلمين) أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الإنسان المذكور، والجمع لأنه يراد به الجنس وهو مبتدأ، وخبره (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) من أعمال الخير في الدنيا، والمراد بالأحسن الحسن كقوله - واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم - وقيل إن اسم التفضيل على معناه، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال، لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن (ونتجاوز عن سيئاتهم) فلا نعاقبهم عليها. قرأ الجمهور " يتقبل ويتجاوز " على بناء الفعلين للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه، والتجاوز الغفران، وأصله من جزت الشئ: إذا لم تقف عليه، ومعنى (في أصحاب الجنة) أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم، فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك: أكرمني الأمير في أصحابه: أي كائنا في جملتهم، وقيل إن في بمعنى مع: أي مع أصحاب الجنة، وقيل إنهما خبر مبتدأ محذوف: أي هم في أصحاب الجنة (وعد الصدق الذي كانوا