لمصدر محذوف: أي قولا كذبا. وقرأ يعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق " أن لن تقول " من التقول، فيكون على هذه القراءة كذبا مفعول به (وإنه كان رجال من الإنس يعودون برجال من الجن) قال الحسن وابن زيد وغيرهما: كان العرب إذا نزل الرجل بواد قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جواره حتى يصبح، فنزلت هذه الآية. قال مقاتل: كان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمين، ثم من بنى حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم (فزادوهم رهقا) أي زاد رجال الجن من تعوذ بهم من رجال الإنس رهقا: أي سفها وطغيانا، أو تكبرا وعتوا، أو زاد المستعيذون من رجال الإنس من استعاذوا بهم من رجال الجن رهقا، لأن المستعاذ بهم كانوا يقولون سدنا الجن والإنس. وبالأول قال مجاهد وقتادة، وبالثاني قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد. والرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم، ورجل رهق: إذا كان كذلك، ومنه قوله - ترهقهم ذلة - أي تغشاهم، ومنه قول الأعشى:
لا شئ ينفعني من دون رؤيتها * هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا يعني إثما. وقيل الرهق: الخوف: أي أن الجن زادت الإنس بهذا التعوذ بهم خوفا منهم، وقيل كان الرجل من الإنس يقول: أعوذ بفلان من سادات العرب من جن هذا الوادي، ويؤيد هذا ما قيل من أن لفظ رجال لا يطلق على الجن، فيكون قوله برجال وصفا لمن يستعيذون به من رجال الإنس: أي يعوذون بهم من شر الجن، فيكون قوله برجال وصفا لمن يستعيذون به من رجال الإنس: أي يعوذون بهم من شر الجن، وهذا فيه بعد، وإطلاق لفظ رجال على الجن على تسليم عدم صحته لغة لا مانع من إطلاقه عليهم هنا من باب المشاكلة (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) هذا من قول الجن للإنس: أي وإن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الإنس أنه لا بعث. وقيل المعنى: وإن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن، والمعنى: أنهم لا يؤمنون بالبعث كما أنكم لا تؤمنون (وإنا لمسنا السماء) هذا من قول الجن أيضا: أي طلبنا خبرها كما به جرت عادتنا (فوجدناها ملئت حرسا) من الملائكة يحرسونها عن استراق السمع، والحرس جمع حارس، و (شديد) صفة لحرسا: أي قويا (وشهبا) جمع شهاب، وهو الشعلة المقتبسة من نار الكوكب كما تقدم بيانه في تفسير قوله - وجعلناها رجوما للشياطين - ومحل قوله (ملئت حرسا شديدا) النصب على أنه ثاني مفعولي وجدنا، لأنه يتعدى إلى مفعولين، ويجوز أن يكون متعديا إلى مفعول واحد، فيكون محل الجملة النصب على الحال بتقدير قد، وحرسا منصوب على التمييز، ووصفه بالمفرد اعتبارا باللفظ، كما يقال السلف الصالح: أي الصالحين (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) أي وأنا كنا معشر الجن قبل هذا نقعد من السماء مقاعد للسمع: أي مواضع نقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، وللسمع متعلق بنقعد: أي لأجل السمع، أو بمضمر هو صفة لمقاعد: أي مقاعد كائنة للسمع، والمقاعد جمع مقعد اسم مكان، وذلك أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليسمعوا من الملائكة أخبار السماء فيلقونها إلى الكهنة، فحرسها الله سبحانه ببعثه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالشهب المحرقة، وهو معنى قوله (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أي أرصد له ليرمي به، أو لأجله لمنعه من السماع، وقوله " الآن " هو ظرف للحال واستعير للاستقبال، وانتصاب رصدا على أنه صفة لشهابا، أو مفعول له، وهو مفرد ويجوز أن يكون اسم جمع كالحرس.
وقد اختلفوا هل كانت الشياطين ترمي بالشهب قبل المبعث أم لا؟ فقال قوم: لم يكن ذلك. وحكى الواحدي عن معمر قال: قلت للزهري: أكان يرمي بالنجوم في الجاهلية؟ قال نعم، قلت: أفرأيت قوله " وأنا