ميتا بالغرق، وقيل المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آية من آيات الله، يعتبر بها الناس أو يعتبر بها من سيأتي من الأمم إذا سمعوا ذلك حتى يحذروا من التكبر والتجبر والتمرد على الله سبحانه، فإن هذا الذي بلغ إلى ما بلغ إليه من دعوى الإلهية واستمر على ذلك دهرا طويلا كانت له هذه العاقبة القبيحة. وقرئ " لمن خلفك " على صيغة الفعل الماضي أي لمن يأتي بعدك من القرون أو من خلفك في الرياسة أو في السكون في المسكن الذي كنت تسكنه (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا) التي توجب الاعتبار والتفكر وتوقظ من سنة الغفلة (لغافلون) عما توجبه الآيات، وهذه الجملة تذييلية.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (ربنا اطمس على أموالهم) يقول:
دمر على أموالهم وأهلكها (واشدد على قلوبهم) قال: اطبع (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) وهو الغرق.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن قوله (ربنا اطمس على أموالهم) فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة، فقال عمر:
كما أنت حتى آتيك، فدعا بكيس مختوم ففكه، فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة والدنانير والدراهم وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها. وقد روى أن أموالهم تحولت حجارة من طريق جماعة من السلف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قد أجيبت دعوتكما، قال: فاستجاب له وحال بين فرعون وبين الإيمان. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: كان موسى إذا دعا أمن هارون على دعائه يقول آمين. قال أبو هريرة: وهو اسم من أسماء الله، فذلك قوله (قد أجيبت دعوتكما). وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس نحوه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه. وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي نحوه أيضا. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله. وأخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فاستقيما فامضيا لأمري، وهي الاستقامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: العدو والعتو والعلو في كتاب الله التجبر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون أوحى الله إلى البحر أن انطبق عليهم، فخرجت أصبع فرعون بلا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: فعرفت أن الرب رحيم وخفت أن تدركه الرحمة، فرمسته بجناحي وقلت: الآن وقد عصيت قبل؟ فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون: ما غرق فرعون ولا أصحابه، ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون، فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا، فلفظه عريانا أصلع أخينس قصيرا فهو قوله (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) لمن قال: إن فرعون لم يغرق، وكأن نجاة غيره لم تكن نجاة عافية، ثم أوحى الله إلى البحر أن الفظ ما فيك فلفظهم على الساحل، وكان البحر لا يلفظ غريقا في بطنه حتى يأكله السمك، فليس يقبل البحر غريقا إلى يوم القيامة. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أغرق الله فرعون فقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) قال لي جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " وقد روى هذا الحديث الترمذي من غير وجه، وقال حسن صحيح غريب، وصححه أيضا الحاكم. وروى عن ابن عباس مرفوعا من طرق أخرى. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " قال لي جبريل: ما كان على الأرض شئ أبغض إلي من فرعون، فلما آمن جعلت أحشو فاه حمأة وأنا أغطه