" ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى زكاتها إلا جعل لها يوم القيامة صفائح، ثم أحمى عليها في نار جهنم، ثم يكوى بها جنباه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار ". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب قال: مررت على أبي ذر بالزبدة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ فقال: كنا بالشام فقرأت (والذين يكنزون الذهب والفضة) الآية، فقال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلا في أهل الكتاب، قلت: إنها لفينا وفيهم.
سورة براءة الآية (36 - 37) قوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نوع آخر من قبائح الكفار وذلك أن الله سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص غيروا تلك الأوقات بالنسئ والكبيسة فأخبرنا الله بما هو حكمه فقال (إن عدة الشهور) أي عدد شهور السنة عند الله في حكمه وقضائه وحكمته اثنا عشر شهرا. قوله (في كتاب الله) أي فيما أثبته في كتابه. قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن يتعلق في كتاب الله بقوله: عدة الشهور، للفصل بالأجنبي وهو الخبر: أعني اثنا عشر شهرا، فقوله: في كتاب الله، وقوله: يوم خلق بدل من قوله من عند الله، والتقدير: إن عدة الشهور عند الله في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، وفائدة الإبدالين تقرير الكلام في الأذهان لأنه يعلم منه أن ذلك العدد واجب عند الله في كتاب الله، وثابت في علمه في أول ما خلق الله العالم. ويجوز أن يكون في كتاب الله صفة اثنا عشر: أي اثنا عشر مثبتة في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ. وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السماوات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوما، وبعضها أكثر، وبعضها أقل. قوله (منها أربعة حرم) هي ذي القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد، وواحد فرد، كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة. قوله (ذلك الدين القيم) أي كون هذه الشهور كذلك، ومنها أربعة حرم هو الدين المستقيم، والحساب الصحيح، والعدد المستوفى. قوله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي في هذه الأشهر الحرم بإيقاع القتال فيها والهتك لحرمتها، وقيل إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها الحرم وغيرها، وإن الله نهى عن الظلم فيها، والأول أولى. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ لهذه الآية، ولقوله - يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام - ولقوله - فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين - الآية.
وقد ذهب جماعة آخرون إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بآية السيف. ويجاب عنه بأن الأمر