سورة الأعراف الآية (14 - 18) قوله (والوزن يومئذ الحق) الوزن مبتدأ وخبره الحق: أي الوزن في هذا اليوم العدل الذي لا جور فيه، أو الخبر يومئذ، والحق وصف للمبتدأ، أي الوزن العدل كائن في هذا اليوم، وقيل إن الحق خبر مبتدأ محذوف.
واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم، فقيل المراد به وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزنا حقيقيا، وهذا هو الصحيح، وهو الذي قامت عليه الأدلة، وقيل توزن نفس الأعمال وإن كانت أعراضا فإن الله يقلبها يوم القيامة أجساما كما جاء في الخبر الصحيح: " إن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف ". وكذلك ثبت في الصحيح أنه يأتي القرآن في صورة شاب شاحب اللون ونحو ذلك، وقيل الميزان الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، وقيل الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء، وذكرهما من باب ضرب المثل كما تقول هذا الكلام في وزن هذا، قال الزجاج: هذا سائغ من جهة اللسان، والأولى أن نتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان. قال القشيري: وقد أحسن الزجاج فيما قال، إذ لو حمل الصراط على الدين الحق، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة والملائكة على القوى المحمودة، ثم قال: وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصا انتهى. والحق هو القول الأول.
وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون في استبعادهم بشئ من الشرع يرجع إليه، بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية، وليس في ذلك حجة على أحد، فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاءت البدع كالليل المظلم وقال كل ما شاء، وتركوا الشرع خلف ظهورهم وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها، ويتحد قبولهم لها. بل كل فريق يدعى على العقل ما يطابق هواه، ويوافق ما يذهب إليه هو أو من هو تابع له، فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم، يعرف هذا كل منصف ومن أنكره فليصف فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه.
وقد ورد ذكر الوزن والموازين في مواضع من القرآن كقوله - ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا -، وقوله - فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، وقوله - فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون -، وقوله - إن الله لا يظلم مثقال ذرة -، وقوله - فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه فأمه هاوية -، والفاء