تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة، ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه صلى الله عليه وآله وسلم لثمامة بن أثال في مسجده، وإنزال وفد ثقيف فيه. وروى عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي، وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة، وقيده الشافعي بالحاجة. وقال قتادة: إنه يجوز ذلك للذمي دون المشرك. وروى عن أبي حنيفة أيضا أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد، ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهى للمسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك، فهو من باب قولهم: لا أرينك هاهنا. قوله (بعد عامهم هذا) فيه قولان:
أحدهما أنه سنة تسع، وهي التي حج فيها أبو بكر على الموسم. الثاني أنه سنة عشر قاله قتادة، قال ابن العربي: وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ، ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع، وهو العام الذي وقع فيه الأذان، ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه: لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل في انتهى. ويجاب عنه بأن الذي يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه، فإن الإشارة بقوله (بعد علمهم هذا) إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء، وهكذا في المثال الذي ذكره المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذي وقع فيه الخطاب، والأمر ظاهر لا يخفى، ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر، وأما تفسير العام المشار إليه بهذا، فلا شك ولا ريب أنه عام تسع، وعلى هذا يحمل قول قتادة. وقد استدل من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد، أعني قوله (بعد عامهم هذا) قائلا إن النهي مختص بوقت الحج والعمرة، فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط لا عن مطلق الدخول. ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده. وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص. قوله (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) العيلة الفقر، يقال عال الرجل يعيل: إذا افتقر، قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه * وما يدري الغني متى يعيل وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود " عايلة! وهو مصدر كالقايلة والعافية والعاقبة، وقيل معناه:
خصلة شاقة، يقال عالني الأمر يعولني: أي شق علي واشتد. وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال عال يعول:
إذا افتقر، وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات. قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا: من أين نعيش؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله. قال الضحاك:
ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) الآية. وقال عكرمة: أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض، وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به. وقيل أغناهم بالفئ، وفائدة التقييد بالمشيئة التعلم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرع (إن الله عليم) بأحوالكم (حكيم) في إعطائه ومنعه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) الآية، فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف. قال أبو الوفاء بن عقيل: إن قوله (قاتلوا) أمر بالعقوبة، ثم قال (الذين لا يؤمنون بالله) فبين الذنب الذي توجبه العقوبة، ثم قال (ولا باليوم الآخر) فأكد الذنب في جانب الاعتقاد، ثم قال (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال، ثم قال (ولا يدينون دين الحق) فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام، ثم قال (من الذين أوتوا الكتاب تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ثم قال (حتى يعطوا الجزية) فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة انتهى. قوله (من الذين أوتوا الكتاب) بيان