الاستثناء منقطع: أي لكن هو في كتاب مبين. وذكر أبو علي الجرجاني أن إلا بمعنى الواو، على أن الكلام قد تم عند قوله (ولا أكبر) ثم وقع الابتداء بقوله (إلا في كتاب مبين) أي وهو أيضا في كتاب مبين. والعرب قد تضع إلا موضع الواو، ومنه قوله تعالى - إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم - يعنى ومن ظلم، وقوله - لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا - أي والذين ظلموا، وقدر هو بعد الواو التي جاءت إلا بمعناها كما في قوله - وقولوا حطة - أي هي حطة، ومثله - ولا تقولوا ثلاثة - وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين -. وقال الزجاج: إن الرفع على الابتداء في قراءة من قرأ بالرفع، وخبره (إلا في كتاب) واختاره صاحب الكشاف، واختار في قراءة النصب التي قرأ بها الجمهور أنهما منصوبان بلا التي لنفي الجنس، واستشكل العطف بنحو ما قدمنا. ثم لما بين سبحانه إحاطته بجميع الأشياء، وكان في ذلك تقوية لقلوب المطيعين، وكسر لقلوب العاصين ذكر حال المطيعين، فقال (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الولي في اللغة: القريب، والمراد بأولياء الله: خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته. وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله (الذين آمنوا وكانوا يتقون) أي يؤمنون بما يجب الإيمان به، ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه، والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبدا كما يخاف غيرهم، لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم، وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها، فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم، وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب، لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر، ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر، فصدورهم منشرحة، وجوارحهم نشطة، وقلوبهم مسرورة، ومحل الموصول النصب على أنه بدل من أولياء أو الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ وخبره لهم البشرى، فيكون غير متصل بما قبله، أو النصب أيضا على المدح أو على أنه وصف لأولياء. قوله (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) تفسير لمعنى كونهم أولياء الله: أي لهم البشرى من الله ما داموا في الحياة بما يوحيه إلي أنبيائه، وينزله في كتبه، من كون حال المؤمنين عنده هو إدخالهم الجنة ورضوانه عنهم، كما وقع كثير من البشارات للمؤمنين في القرآن الكريم، وكذلك ما يحصل لهم من الرؤيا الصالحة، وما يتفضل الله به عليهم من إجابة دعائهم، وما يشاهدونه من التبشير لهم عند حضور آجالهم بتنزل الملائكة عليهم قائلين لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة، وأما البشرى في الآخرة فتلقى الملائكة لهم مبشرين بالفوز بالنعيم والسلامة من العذاب.
والبشرى مصدر أريد به المبشر به، والظرفان في محل نصب على الحال: أي حال كونهم في الدنيا وحال كونهم في الآخرة، ومعنى (لا تبديل لكلمات الله) لا تغيير لأقواله على العموم، فيدخل فيها ما وعد به عباده الصالحين دخولا أوليا، والإشارة بقوله (ذلك) إلى المذكور قبله من كونهم مبشرين بالبشارتين في الدارين (هو الفوز العظيم) الذي لا يقادر قدره ولا يماثله غيره، والجملتان: أعني (لا تبديل لكلمات الله) و (ذلك هو الفوز العظيم) اعتراض في آخر الكلام عند من يجوزه، وفائدتهما تحقيق المبشر به وتعظيم شأنه، أو الأولى اعتراضية، والثانية تذييلية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق) قال: هم أهل الشرك كانوا يحلون من الأنعام والحرث ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (إذ تفيضون فيه) قال: إذ تفعلون. وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله (وما يعزب عن ربك) قال: لا يغيب عنه