عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك غفرانك، فأنزل الله (وما كان الله ليعذبهم) الآية. قال ابن عباس، كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي الاستغفار. وأخرج الترمذي وضعفه عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنزل الله علي أمانين لأمتي (وما كان الله ليعذبهم) الآية، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار " وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر قال (وما كان الله ليعذبهم) الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضا، والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مطلق الاستغفار كثيرة جدا معروفة في كتب الحديث.
سورة الأنفال الآية (34 - 37) قوله (وما لهم ألا يعذبهم الله) لما بين سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهورهم، ووقوع الاستغفار. ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار، أعني كفار مكة مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح. والمعنى: أي شئ لهم يمنع من تعذيبهم؟ قال الأخفش: إن " أن " زائدة. قال النحاس: لو كان كما قال لرفع يعذبهم، وجملة (وهم يصدون عن المسجد الحرام) في محل نصب على الحال: أي وما يمنع من تعذيبهم؟ والحال أنهم يصدون الناس عن المسجد الحرام كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من البيت، وجملة (وما كانوا أولياءه) في محل نصب على أنها حال من فاعل (يصدون)، وهذا كالرد لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت، وأن أمره مفوض إليهم، ثم قال مبينا لمن له ذلك (إن أولياؤه إلا المتقون) أي ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ذلك، والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون. قوله (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) المكاء: الصفير من مكا يمكو مكاء، ومنه قول عنترة:
وخليل غانية تركت مجندلا * تمكو فريصته كشدق الأعلم