ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحرث فكان هذا شركا في التسمية ولم يكن شركا في العبادة. وإنما قصدا أن الحرث كان سبب نجاة الولد كما يسمى الرجل نفسه عبد ضيفه كما قال حاتم الطائي:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا * وما في إلا تلك من شيمة العبد وقال جماعة من المفسرين: إن الجاعل شركا فيما آتاهما هم جنس بني آدم كما وقع من المشركين منهم ولم يكن ذلك من آدم وحواء، ويدل على هذا جمع الضمير في قوله (فتعالى الله عما يشركون) وذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى (من نفس واحدة) من هيئة واحدة وشكل واحد (وجعل منها زوجها) أي من جنسها (فلما تغشاها) يعني جنس الذكر جنس الأنثى، وعلى هذا لا يكون لآدم وحواء ذكر في الآية وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين. وقد قدمنا الإشارة إلى نحو هذا وذكرنا أنه خلاف الأولى لأمور منها (وجعل منها زوجها) بأن هذا إنما هو لحواء، ومنها (دعوا الله ربهما) فإن كل مولود يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء. وقد قرأ أهل المدينة وعاصم " شركا " على التوحيد، وقرأ أبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع. وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى، وأجيب عنه بأنها صحيحة على حذف المضاف: أي جعلا له ذا شرك، أو ذوي شرك، والاستفهام في (أيشركون ما لا يخلق شيئا) للتقريع والتوبيخ: أي كيف يجعلون لله شريكا لا يخلق شيئا ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم. قوله (وهم يخلقون) عطف على (مالا يخلق) والضمير راجع إلى الشركاء الذين لا يخلقون شيئا: أي وهؤلاء الذين جعلوهم شركاء من الأصنام أو الشياطين مخلوقون، وجمعهم جمع العقلاء لاعتقاد من جعلهم شركاء أنهم كذلك (ولا يستطيعون لهم) أي لمن جعلهم شركاء (نصرا) إن طلبه منهم (ولا أنفسهم ينصرون) إن حصل عليهم شئ من جهة غيرهم، ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال حمل بن أبي قيس وشمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى) إلى قوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة (أيان مرساها) أي متى قيامها؟ (قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو) قال: قالت قريش يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ قال (يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله) وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول " تهيج الساعة بالناس والرجل يسقى على ماشيته، والرجل يصلح حوضه. والرجل يخفض ميزانه ويرفعه، والرجل يقيم سلعته في السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أيان مرساها) قال: منتهاها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (لا يجليها لوقتها إلا هو) يقول: لا يأتي بها إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (ثقلت في السماوات والأرض) قال: ليس شئ من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (ثقلت في السماوات والأرض) قال: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض يقول كبرت عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله (ثقلت في السماوات والأرض) قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم. وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وما يصيب الأرض، وكان ما قال الله سبحانه فذلك ثقلها فيهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (لا تأتيكم إلا بغتة) قال: فجأة آمنين. وأخرج ابن أبي شيبة