وبه يجمع بين الأحاديث، وقيل إنه يحل له مطلقا، وإليه ذهب جماعة: وقيل يحرم عليه مطلقا، وإليه ذهب آخرون، وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقي. قوله (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه الذي إليه تحشرون لا إلى غيره، وفيه تشديد ومبالغة في التحذير. وقرئ (وحرم عليكم صيد البر) بالبناء للفاعل وقرئ (ما دمتم) بكسر الدال. قوله (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) جعل هنا بمعنى خلق، وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة والتكعيب التربيع وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة، وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها، وكل بارز كعب مستديرا كان أو غير مستدير، ومنه كعب القدم، وكعوب القنا، وكعب ثدي المرأة، و (البيت الحرام) عطف بيان وقيل مفعول ثان ولا وجه له، وسمي بيتا لأن له سقوفا وجدرا وهي حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن، وسمي حراما لتحريم الله سبحانه إياه. وقوله (قياما للناس) كذا قرأ الجمهور وقرأ ابن عامر (قيما) وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين، وإن كان بمعنى خلق كما تقدم فهو منتصب على الحال، ومعنى كونه قياما: أنه مدار لمعاشهم ودينهم: أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم: يأمن فيه خائفهم، وينصر فيه ضعيفهم، ويربح فيه تجارهم، ويتعبد فيه متعبدهم. قوله (والشهر الحرام) عطف على الكعبة، وهو ذو الحجة، وخصه من بين الأشهر الحرم لكونه زمان تأدية الحج، وقيل هو اسم جنس. والمراد به الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة، ومحرم، ورجب، فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دما، ولا يقاتلون بها عدوا، ولا يهتكون فيها حرمة، فكانت من هذه الحيثية قياما للناس (والهدى والقلائد) أي وجعل الله الهدى والقلائد قياما للناس. والمراد بالقلائد: ذوات القلائد من الهدى، ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها، والإشارة بذلك إلى الجعل: أي ذلك الجعل (لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السماوات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم، ودفع لما يضركم (وأن الله بكل شئ عليم) هذا تعميم بعد التخصيص، ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب، وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم، ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم، فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضروا إلا أنفسهم وما جنوا إلا عليها، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه، وقام بما أمره الله به.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (ومن قتله منكم متعمدا) قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا أو خطأ حكم عليه، فإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه. وفى قوله (فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل أيلا ونحوه فعليه بقرة. فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا، فإن لم يجد صام عشرين يوما، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا، فإن لم يجد صام ثلاثين يوما، والطعام مد مد يشبعهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحكم أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد. وأخرجا نحوه عن عطاء.
وقد روى نحو هذا عن جماعات من السلف من غير فرق بين العامد والخاطئ والناسي، وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد.
وللسلف في تقدير الجزاء المماثل وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في بيضة النعام " صيام يوم أو إطعام مسكين ". وأخرج ابن أبي شيبة عن