الآخرة، وقيل لفضيحة بانكشاف نفاقهم، والعذاب في الآخرة، وقيل المصائب في أموالهم وأولادهم، وعذاب القبر، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره مع عدم الدليل على أنه المراد بعينه. والظاهر أن هذا العذاب المكرر هو في الدنيا بما يصدق عليه اسم العذاب، وأنهم يعذبون مرة بعد مرة، ثم يردون بعد ذلك إلى عذاب الآخرة، وهو المراد بقوله (ثم يردون إلى عذاب عظيم) ومن قال إن العذاب في المرة الثانية هو عذاب الآخرة قال معنى قوله (ثم يردون إلى عذاب عظيم) أنهم يردون بعد عذابهم في النار كسائر الكفار إلى الدرك الأسفل منها، أو أنهم يعذبون في النار عذابا خاصا بهم دون سائر الكفار، ثم يردون بعد ذلك إلى العذاب الشامل لهم ولسائر الكفار. ثم ذكر سبحانه حال طائفة من المسلمين وهم المخلطون في دينهم فقال (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) وهو معطوف على قوله منافقون: أي وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة قوم آخرون، ويجوز أن يكون آخرون مبتدأ، واعترفوا بذنوبهم صفته، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا خبره، والمعنى: أن هؤلاء الجماعة تخلفوا عن الغزو لغير عذر مسوغ للتخلف ثم ندموا على ذلك، ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة كما اعتذر المنافقون، بل تابوا واعترفوا بالذنب ورجوا أن يتوب الله عليهم. والمراد بالعمل الصالح: ما تقدم من إسلامهم وقيامهم بشرائع الإسلام وخروجهم إلى الجهاد في سائر المواطن. والمراد بالعمل السيئ: هو تخلفهم عن هذه الغزوة، وقد أتبعوا هذا العمل السيئ عملا صالحا، وهو الاعتراف به والتوبة عنه. وأصل الاعتراف الإقرار بالشيء، ومجرد الإقرار لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي والعزم على تركه في الحال والاستقبال، وقد وقع منهم ما يفيد هذا كما سيأتي بيانه إن شاء الله. ومعنى الخلط: أنهم خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء باللبن واللبن بالماء.
ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء كقولك بعت الشاة شاة وردهما: أي بدرهم، وفي قوله (عسى الله أن يتوب عليهم) دليل على أنه قد وقع منهم مع الاعتراف ما يفيد التوبة، أو أن مقدمة التوبة وهي الاعتراف قامت مقام التوبة، وحرف الترجي وهو عسى في كلام الله سبحانه يفيد تحقق الوقوع، لأن الإطماع من الله سبحانه إيجاب لكونه أكرم الأكرمين (إن الله غفور رحيم) أي يغفر الذنوب ويتفضل على عباده. قوله (خذ من أموالهم صدقة) اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها، فقيل: هي صدقة الفرض، وقيل هي مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها، لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية، و (من) للتبعيض على التفسيرين، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة، والصدقة مأخوذة من الصدق، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه. قوله (تطهرهم وتزكيهم بها) الضمير في الفعلين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم. وقيل الضمير في تطهرهم للصدقة: أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم، والضمير في تزكيهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة، والأول أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين، وعلى الأول فالفعلان منتصبان على الحال، وعلى الثاني فالفعل الأول صفة لصدقة، والثاني حال منه صلى الله عليه وآله وسلم. ومعنى التطهير:
إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب، ومعنى التزكية: المبالغة في التطهير. قال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف، ويجوز الجزم على جواب الأمر. والمعنى: أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم. وقد قرأ الحسن بجزم تطهرهم. وعلى هذه القراءة فيكون (وتزكيهم) على تقدير مبتدأ: أي وأنت تزكيهم بها. قوله (وصل عليهم): أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم. قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ثم علل سبحانه أمره لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال (إن صلواتك سكن