لا ينفع نفسا إيمانها. قوله (لم تكن آمنت من قبل) أي من قبل إتيان بعض الآيات، فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجئ بعض الآيات فإيمانها ينفعها، وجملة (لم تكن آمنت من قبل) في محل نصب على أنها صفة نفسا قوله (أو كسبت في إيمانها خيرا) معطوف على (آمنت) والمعنى: أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيرا، فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجئ بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان، فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيرا في إيمانه أو كسب خيرا ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه، وهذا التركيب هو كقولك: لا أعطي رجلا اليوم أتاني لم يأتني بالأمس أو لم يمدحني في إتيانه إلي بالأمس، فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلا رجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم انتظروا ما تريدون إتيانه إنا منتظرون له، وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم، وهو يقوى ما قيل في تفسير (يوم يأتي بعض آيات ربك) أنها الآيات التي اقترحوها من إتيان الملائكة وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدم بيانه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) قال: عند الموت (أو يأتي ربك) قال: يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في تفسير الآية مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل (أو يأتي ربك) قال يوم القيامة في ظلل من الغمام. وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (يوم يأتي بعض آيات ربك) قال: طلوع الشمس من مغربها. قال الترمذي غريب. ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد موقوفا. وأخرجه الطبراني وابن عدي وابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد والطبراني عن ابن مسعود موقوفا. فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه فهو واجب التقديم له متحتم الأخذ به، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها، ثم قرأ الآية ". وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي ذر مرفوعا نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله (أو كسبت في إيمانها خيرا) يقول: كسبت في تصديقها عملا صالحا هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها، وإن عملت قبل الآية خيرا، ثم عملت بعد الآية خيرا قبل منها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله (أو كسبت في إيمانها خيرا) قال: يعني المسلم الذي لم يعمل في إيمانه خيرا وكان قبل الآية مقيما على الكبائر. والآيات التي هي علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة في بيانها وتعدادها، وهي مذكورة في كتب السنة.
سورة الأنعام الآية (159 - 160)