إليك) أي فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب، واقتراح الآيات التي يقترحونها عليه على حسب هواهم وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه، مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به، كسب آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده. قيل وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام: أي هل أنت تارك؟ وقيل هو في معنى النفي مع الاستبعاد: أي لا يكون منك ذلك، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك، أحبوا ذلك أم كرهوه، شاءوا أم أبوا (وضائق به صدرك) معطوف على تارك، والضمير في به راجع إلى ما أو إلى بعض، وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم (أن يقولوا) أي كراهة أن يقولوا، أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا (لولا أنزل عليه كنز) أي هلا أنزل عليه كنز: أي مال مكنوز مخزون ينتفع به (أو جاء معه ملك) يصدقه ويبين لنا صحة رسالته، ثم بين سبحانه أن حاله صلى الله عليه وآله وسلم مقصور على النذارة، فقال (إنما أنت نذير) ليس عليك إلا الإنذار بما أوحى إليك، وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاد مقترحاتهم (والله على كل شئ وكيل) يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل.
قوله (أم يقولون افتراه) أم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة، وأضرب عما تقدم من تهاونهم بالوحي، وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة، وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشد من ذلك، وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه، والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والضمير المستتر في افتراه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والبارز إلى ما يوحى، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ويبين كذبهم ويظهر به عجزهم فقال (قل فأتوا بعشر سور مثله) أي مماثلة له في البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ وفخامة المعابي ووصف السور بما يوصف به المفرد، فقال مثله، ولم يقل أمثاله، لأن المراد مماثلة كل واحد من السور، أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه، ومداره المماثلة في شئ واحد، وهو البلاغة البالغة إلى حد الإعجاز وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية والإفراد شرط، ثم وصف السور بصفة أخرى، فقال (مفتريات وادعوا) للاستظهار على المعارضة بالعشر السور (من استطعتم) دعاءه وقدرتم على الاستعانة به من هذا النوع الإنساني، وممن تعبدونه وتجعلونه شريكا لله سبحانه. وقوله (من دون الله) متعلق بادعوا: أي ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى (إن كنتم صادقين) فيما تزعمون من افترائي له (فإن لم يستجيبوا لكم) أي فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم وتحديتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ويكون الضمير في لكم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين أو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده وجمع تعظيما وتفخيما (فاعلموا) أمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين أو للرسول وحده على التأويل الذي سلف قريبا. ومعنى أمرهم بالعلم أمرهم بالثبات عليه لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله، أو المراد بالأمر بالعلم الأمر بالازدياد منه إلى حد لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة وهو علم اليقين، والأول أولى. ومعنى (أنما أنزل بعلم الله) أنه أنزل متلبسا بعلم الله المختص به، الذي لا تطلع على كنهه العقول ولا تستوضح معناه الأفهام، لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر (وأن لا إله إلا هو) أي واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له، ولا يقدر غيره على ما يقدر عليه. ثم ختم الآية بقوله (فهل أنتم مسلمون) أي ثابتون على الإسلام مخلصون له مزدادون من الطاعات، لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه وبصيرة زائدة، وإن كنتم مسلمين من قبل - هذا فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم. وقيل إن الضمير في (فإن لم يستجيبوا) للموصول في من استطعتم.
وضمير لكم للكفار الذين تحداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكذلك ضمير فاعلموا - والمعنى: فإن