فرعون، فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده، ففرق الله البحر لموسى وبنى إسرائيل، فمشوا فيه حتى خرجوا من الجانب الآخر، وتبعهم فرعون والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضى موسى ومن معه، فلما تكامل دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا من الجانب الآخر انطبق عليهم فغرقوا كما حكى الله سبحانه ذلك (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) أي صدقت أنه بفتح الهمزة على أن الأصل بأنه، فحذفت الباء، والضمير للشأن. وقرئ بكسر إن على الاستئناف، وزعم أبو حاتم أن القول محذوف: أي آمنت، فقلت إنه ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء، ولم يقل للعين آمنت بالله أو برب العالمين، بل قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية. قوله (وأنا من المسلمين) أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه، وهذه الجملة إما في محل نصب على الحال أو معطوفة على آمنت. قوله (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) هو مقول قول مقدر معطوف على قال آمنت: أي فقيل له أتؤمن الآن؟
وقد اختلف من القائل لفرعون بهذه المقالة؟ فقيل هي من قول الله سبحانه، وقيل من قول جبريل، وقيل من قول ميكائيل، وقيل من قول فرعون، قال ذلك في نفسه لنفسه. وجملة وقد عصيت قبل في محل نصب على الحال من فاعل الفعل المقدر بعد القول المقدر، وهو أتؤمن الآن، والمعنى: إنكار الإيمان منه عند أن ألجمه الغرق والحال أنه قد عصى الله من قبل، والمقصود التقريع والتوبيخ له. وجملة وكنت من المفسدين معطوفة على عصيت داخلة في الحال: أي كنت من المفسدين في الأرض بضلالك عن الحق وإضلالك لغيرك. قوله (فاليوم ننجيك ببدنك) قرئ " ننجيك " بالتخفيف، والجمهور على التثقيل. وقرأ اليزيدي: " ننحيك " بالحاء المهملة من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود، ومعنى ننجيك بالجيم: نلقيك على نجوة من الأرض، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق وقالوا: هو أعظم شأنا من ذاك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه وقيل المعنى: نخرجك مما وقع فيه قومك من الرسوب في قعر البحر ونجعلك طافيا ليشاهدوك ميتا بالغرق، ومعنى ننحيك بالمهملة: نطرحك على ناحية من الأرض وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " بأبدانك ".
وقد اختلف المفسرون في معنى ببدنك، فقيل معناه: بجسدك بعد سلب الروح منه، وقيل معناه: بدرعك، والدرع يسمى بدنا، ومنه قول كعب بن مالك:
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليلب الحصينا أراد بالأبدان الدروع، وقال عمرو بن معدي كرب:
ومضى نساؤهم بكل مضاضة * جدلاء سابغة وبالأبدان أي بدروع سابغة ودروع قصيرة: وهي التي يقال لها أبدان كما قال أبو عبيدة. وقال الأخفش: وأما قول من قال بدرعك فليس بشئ، ورجح أن البدن المراد به هنا الجسد. قوله (لتكون لمن خلفك آية) هذا تعليل لتنجيته ببدنه، وفي ذلك دليل على أنه لم يطهر جسده دون قومه إلا لهذه العلة لا سوى، والمراد بالآية العلامة: أي لتكون لمن خلفك من الناس علامة يعرفون بها هلاكك، وأنك لست كما تدعي ويندفع عنهم الشك في كونك قد صرت