لا يفلح فقال (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) أي كل مفتر هذا شأنه، ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا. وذكر الكذب مع الافتراء للتأكيد كما سبق في مواضع من الكتاب العزيز. والمعنى: أن هؤلاء الذين يكذبون على ربهم لا يفوزون بمطلب من المطالب. ثم بين سبحانه أن هذا الافتراء وإن فاز صاحبه بشئ من المطالب العاجلة فهو متاع قليل في الدنيا، ثم يتعقبه الموت والرجوع إلى الله، فيعذب المفتري عذابا مؤبدا. فيكون متاع خبر مبتدأ محذوف، والجملة مستأنفة لبيان أن ما يحصل للمفتري بافترائه ليس بفائدة يعتد بها، بل هو متاع يسير في الدنيا يتعقبه العذاب الشديد بسبب الكفر الحاصل بأسباب من جملتها الكذب على الله. وقال الأخفش: إن التقدير لهم متاع في الدنيا، فيكون المحذوف على هذا هو الخبر. وقال الكسائي: التقدير ذلك متاع أو هو متاع، فيكون المحذوف على هذا المبتدأ.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال في قوله تعالى (ولا يحزنك) لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه من الله فيما يعاتبه (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم) يسمع ما يقولون ويعلمه، فلو شاء بعزته لانتصر منهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (والنهار مبصرا) قال: منيرا. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله (إن عندكم من سلطان بهذا) يقول: ما عندكم سلطان بهذا.
سورة يونس الآية (71 - 74) لما بلغ سبحانه في تقرير البراهين الواضحة ودفع الشبهة المنهارة، شرع في ذكر قصص الأنبياء لما في ذلك من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (واتل عليهم) أي على الكفار المعاصرين لك المعارضين لما جئت به بأقوالهم الباطلة (نبأ نوح) أي خبره، والنبأ هو الخبر الذي له خطر وشأن، والمراد: ما جرى له مع قومه الذين كفروا بما جاء به كما فعله كفار قريش وأمثالهم (إذ قال لقومه) أي وقت قال لقومه، والظرف منصوب بنبأ أو بدل منه بدل اشتمال، واللام في (لقومه) لام التبليغ (يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي) أي عظم وثقل، والمقام بفتح الميم: الموضع الذي يقام فيه، وبالضم الإقامة. وقد اتفق القراء على الفتح، وكنى بالمقام عن نفسه كما يقال فعلته لمكان فلان: أي لأجله، ومنه - ولمن خاف مقام ربه - أي خاف ربه، ويجوز أن يراد بالمقام المكث: