في الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله (وتزهق أنفسهم وهم كافرون) قال: تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا (وهم كافرون) قال: هذه آية فيها تقديم وتأخير. وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله (فلا تعجبك) يقول: لا يغررك (وتزهق) قال: تخرج أنفسهم، قال في الدنيا وهم كافرون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (لو يجدون ملجأ) الآية قال: الملجأ الحرز في الجبال، والمغارات: الغيران، والمدخل: السرب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي (وهم يجمحون) قال: يسرعون.
سورة براءة الآية (58 - 60) قوله (ومنهم من يلمزك) هذا ذكر نوع آخر قبائحهم، يقال لمزه يلمزه: إذا عابه. قال الجوهري: اللمز العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، وقد لمزه يلمزه ويلمزه، ورجل لماز، ولمزة: أي عياب. قال الزجاج:
لمزت الرجل ألمزه وألمزه، بكسر الميم وضمها: إذا عبته، وكذا همزته. ومعنى الآية: ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات: أي في تفريقها وقسمتها. وروى عن مجاهد أنه قال: معنى (يلمزك) يرزؤك ويسألك، والقول عند أهل اللغة هو الأول كما قال النحاس. وقرئ يلمزك بضم الميم، ويلمزك بكسرها مع التشديد. وقرأ الجمهور بكسرها مخففة (فإن أعطوا منها) أي من الصدقات بقدر ما يريدون (رضوا) بما وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعيبوه، وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا، وليسوا من الدين في شئ (وإن لم يعطوا منها) أي من الصدقات ما يريدونه ويطلبونه (إذا هم يسخطون) أي وإن لم يعطوا فاجئوا السخط، وفائدة إذا الفجائية أن الشرط مفاجئ بكر للجزاء وهاجم عليه. وقد نابت إذا الفجائية مناب فاء الجزاء (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله) أي ما فرضه الله لهم وما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، وجواب لو محذوف:
أي لكان خيرا لهم فإن فيما أعطاهم الخير العاجل والآجل (وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) أي قالوا هذه المقالة عند أن أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هو لهم: أي كفانا الله، سيعطينا من فضله ويعطينا رسوله بعد هذا ما نرجوه ونؤمله (إنا إلى الله راغبون) في أن يعطينا من فضله ما نرجوه. قوله (إنما الصدقات للفقراء) لما لمز المنافقون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قسمة الصدقات بين الله لهم مصرفها دفعا لطعنهم وقطعا لشغبهم، و (إنما) من صيغ القصر. وتعريف الصدقات للجنس: أي جنس هذه الصدقات مقصور على هذه الأصناف المذكورة لا يتجاوزها، بل هي لهم لا لغيرهم.
وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية، أو يجوز صرفها إلى البعض