قال المسير وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله (والله يعلم إنهم لكاذبون) قال: لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد.
سورة براءة الآية (43 - 49) الاستفهام في (عفا الله عنك لم أذنت لهم) للإنكار من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث وقع منه الإذن لما استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه، ومن هو كاذب فيه.
وفي ذكر العفو عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه، وقيل إن هذا عتاب له صلى الله عليه وآله وسلم في إذنه للمنافقين بالخروج معه، لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج. والأول أولى، وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله - فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم - ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم. وقيل إن قوله (عفا الله عنك) هي افتتاح كلام كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا، وكذا حكاه مكي والنحاس والمهدوي، وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على عفا الله عنك، وعلى التأويل الأول لا يحسن. ولا يخفاك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية، ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي.
وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وآله وسلم، والمسألة مدونة في الأصول، وفيها أيضا دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور، و " حتى " في (حتى يتبين لك الذين صدقوا) للغاية، كأنه قيل: لم سارعت إلى الإذن لهم، وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه، وكذب من هو كاذب منهم في ذلك؟ ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القعود عن الجهاد، بل كان من عادتهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك. فقال (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا) وهذا على أن معنى الآية