هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده، فأنزل الله (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال:
هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالحق الذي فرق الله به بين الحق والباطل فيه بيان وموعظة ونور وهدى وعصمة لمن أخذ به. قال: وكانت الفترة بين عيسى ومحمد ستمائة سنة وما شاء الله من ذلك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال كانت خمسمائة سنة وستين سنة. وقال الكلبي: خمسمائة سنة وأربعين سنة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانت خمسمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كانت أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة. وأخرج ابن سعد في كتاب الطبقات عن ابن عباس قال: كان بين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة، فإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم، وكان بين ميلاد عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء كما قال الله تعالى - إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث - والذي عزز به شمعون وكان من الحواريين، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعة وثلاثين سنة. وقد قيل غير ما ذكرناه.
سورة المائدة الآية (20 - 26) هذه الآيات متضمنة للبيان من الله سبحانه بأن أسلاف اليهود الموجودين في عصر محمد صلى الله عليه وآله وسلم تمردوا على موسى وعصوه كما تمرد هؤلاء على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وعصوه، وفى ذلك تسلية له صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عن عبد الله بن كثير أنه قرأ (يا قوم اذكروا) بضم الميم وكذا قرأ فيما أشبهه، وتقديره: يا أيها القوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء: أي وقت هذا الجعل، وإيقاع الذكر على الوقت مع كون المقصود ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة، لأن الأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما وقع فيه بطريق الأولى، وامتن عليهم سبحانه بجعل الأنبياء فيهم مع كونه قد جعل الأنبياء من غيرهم، لكثرة من بعثه من الأنبياء منهم قوله (وجعلكم ملوكا) أي وجعل منكم ملوكا، وإنما حذف حرف الجر لظهور أن معنى الكلام على تقديره،