الجميع على أن أحد الطرفين الصبح، فدل على أن الطرف الآخر المغرب (وزلفا من الليل) أي في زلف من الليل، والزلف: الساعات القريبة بعضها من بعض، ومنه سميت المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة. وقرأ ابن القعقاع وأبو إسحاق وغيرهما " زلفا " بضم اللام جمع زليف، ويجوز أن يكون واحده زلفة. وقرأ ابن محيصن بإسكان اللام.
وقرأ مجاهد " زلفى " مثل فعلى. وقرأ الباقون " زلفا " بفتح اللام كغرفة وغرف. قال ابن الأعرابي: الزلف الساعات واحدتها زلفة. وقال قوم: الزلفة أول ساعة من الليل بعد مغيب الشمس. قال الأخفش: معنى زلفا من الليل: صلاة الليل (إن الحسنات يذهبن السيئات) أي إن الحسنات على العموم، ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم، وقيل المراد بالسيئات: الصغائر، ومعنى يذهبن السيئات: يكفرنها حتى كأنها لم تكن، والإشارة بقوله (ذلك ذكرى للذاكرين) إلى قوله (فاستقم) وما بعده، وقيل إلى القرآن ذكرى للذاكرين: أي موعظة للمتعظين (واصبر) على ما أمرت به من الاستقامة وعدم الطغيان والركون إلى الذين ظلموا، وقيل إن المراد الصبر على ما أمر به دون ما نهي عنه، لأنه لا مشقة في اجتنابه وفيه نظر، فإن المشقة في اجتناب المنهي عنه كائنة، وعلى فرض كونها دون مشقة امتثال الأمر فذلك لا يخرجها عن مطلق المشقة (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي يوفيهم أجورهم ولا يضيع منها شيئا فلا يهمله ولا يبخسه بنقص.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) قال: ما قدر لهم من خير أو شر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال: من العذاب. وأخرجا عن أبي العالية. قال من الرزق. وأخرجا أيضا عن قتادة في قوله (فاستقم كما أمرت) قال: أمر الله نبيه أن يستقيم على أمره، ولا يطغى في نعمته، وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال: استقم على القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية (فاستقم كما أمرت) قال: شمروا شمروا فما رؤي ضاحكا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (ومن تاب معك) قال: آمن.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن العلاء بن عبد الله بن بدر في قوله (ولا تطغوا) قال: لم يرد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما عنى الذين يجيئون من بعدهم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس (ولا تطغوا) يقول:
لا تظلموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الطغيان، خلاف أمره وارتكاب معصيته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال: يعني الركون إلى الشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه (ولا تركنوا) قال: لا تميلوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال (ولا تركنوا) لا تدهنوا. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال: أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وأقم الصلاة طرفي النهار) قال: صلاة المغرب والغداة (وزلفا من الليل) قال: صلاة العتمة وأخرجا عن الحسن قال الفجر والعصر (وزلفا من الليل) قال: هما زلفتان: صلاة المغرب وصلاة العشاء. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هما زلفتا الليل ". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الطرفين قال: صلاة الفجر، وصلاتي العشي: يعني الظهر والعصر (وزلفا من الليل) قال: المغرب والعشاء. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وزلفا من الليل) قال: ساعة بعد ساعة، يعني صلاة العشاء الآخرة. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخير العشاء، ويقرأ زلفا من الليل. وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله (إن الحسنات يذهبن السيئات) قال: الصلوات الخمس،