وأصل ستة سدسة أبدلت التاء من أحد السينين وأدغم فيها الدال، والدليل على هذا أنك تقول في التصغير سديسة، وفى الجمع أسداس، وتقول جاء فلان سادسا. واليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، قيل هذه الأيام من أيام الدنيا، وقيل من أيام الآخرة، وهذه الأيام الست أولها الأحد وآخرها الجمعة، وهو سبحانه قادر على خلقها في لحظة واحدة يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور، أو خلقها في ستة أيام لكون لكل شئ عنده أجلا، وفى آية أخرى - ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب - قوله (ثم استوى على العرش).
قد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولا، وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف بل على الوجه الذي يليق به مع تنزهه عما لا يجوز عليه، والاستواء في لغة العرب هو العلو والاستقرار. قال الجوهري: استوى على ظهر دابته: أي استقر، واستوى إلى السماء: أي صعد، واستوى: أي استولى وظهر، ومنه قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق واستوى الرجل: أي انتهى شبابه، واستوى: أي انتسق واعتدل. وحكى عن أبي عبيدة أن معنى (استوى) هنا: علا، ومثله قول الشاعر:
فأورد بهم ماء ثقيفا بقفرة * وقد حلق النجم اليماني فاستوى أي علا وارتفع. والعرش. قال الجوهري: هو سرير الملك. ويطلق العرش على معان أخر منها عرش البيت:
سقفه، وعرش البئر: طيها بالخشب، وعرش السماك: أربعة كواكب صغار، ويطلق على الملك والسلطان والعز ومنه قول زهير:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل وقول الآخر: إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم * بعتيبة بن الحرث بن شهاب وقول الآخر: رأوا عرشي تثلم جانباه * فلما أن تثلم أفردوني وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما، وهو المراد هنا. قوله (يغشى الليل النهار) أي يجعل الليل كالغشاء للنهار فيغطى بظلمته ضياءه. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " يغشى " بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان، يقال أغشى يغشى، وغشى يغشى، والتغشية في الأصل: إلباس الشئ الشئ، ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله تعالى - سرابيل تقيكم الحر -. وقرأ حميد بن قيس يغشى الليل النهار " على إسناد الفعل إلى الليل، ومحل هذه الجملة النصب على الحال، والتقدير: استوى على العرش مغشيا الليل النهار، وهكذا قوله (يطلبه حثيثا) حال من الليل: أي حال كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا لا يفتر عنه بحال، وحثيثا صفة مصدر محذوف، أي يطلبه طلبا حثيثا: أو حال من فاعل يطلب. والحث: الاستعجال والسرعة، يقال ولي حثيثا: أي مسرعا. قوله (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) قال الأخفش: معطوف على السماوات، وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر. والمعنى على الأول: وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات، وعلى الثاني: الإخبار عن هذه بالتسخير. قوله (ألا له الخلق والأمر) إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له، والخلق: المخلوق، والأمر:
كلامه، وهو كن في قوله - إنما أمرنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون - أو المراد بالأمر ما يأمر به