(لهم آذان يسمعون بها) كما تسمعون، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات، وبهذه المنزلة من العجز، وأم في هذه المواضع هي المنقطقة التي بمعنى بل والهمزة كما ذكره أئمة النحو. وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون) بتخفيف إن ونصب عبادا: أي ما الذين تدعون (من دون الله عبادا أمثالكم) على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع في خبرها، وبأن الكسائي قال: إنها لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى " ما " إلا أن يكون بعدها إيجاب كما في قوله - إن الكافرون إلا في غرور -، والبطش: الأخذ بقوة. وقرأ أبو جعفر (يبطشون) بضم الطاء، وهي لغة، ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام، وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب، أمره الله بأن يقول لهم ادعو شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضر (ثم كيدوني) أنتم وهم جميعا بما شئتم من وجوه الكيد (فلا تنظرون) أي فلا تمهلوني ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها، والكيد: المكر، وليس بعد هذا التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم شئ ثم قال لهم (إن وليي الله الذي نزل الكتاب) أي كيف أخاف هذه الأصنام التي هذه صفتها ولى ولي ألجأ إليه وأستنصر به وهو الله عز وجل (الذي نزل الكتاب) وهذه الجملة تعليل لعدم المبالاة بها وولي الشئ هو الذي يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر (وهو يتولى الصالحين) أي يحفظهم وينصرهم، ويحول ما بينهم وبين أعدائهم قال الأخفش: وقرئ (إن ولي الله الذي نزل الكتاب) يعني جبرائيل. قال النحاس: هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أبين لقوله (وهو يتولى الصالحين). قوله (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) كرر سبحانه هذا لمزيد التأكيد والتقرير، ولما في تكرار التوبيخ والتقريع من الإهانة للمشركين والتنقص بهم، وإظهار سخف عقولهم، وركاكة أحلامهم (وتراهم ينظرون إليك) جملة مبتدأة لبيان عجزهم، أو حالية:
أي والحال أنك تراهم ينظرون إليك حال كونهم لا يبصرون، والمراد: الأصنام إنهم يشبهون الناظرين، ولا أعين لهم يبصرون بها، قيل: كانوا يجعلون للأصنام أعينا من جواهر مصنوعة، فكانوا بذلك في هيئة الناظرين ولا يبصرون وقيل المراد بذلك المشركون، أخبر الله عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم، وإن أبصروا بها غير ما فيه نفعهم.
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيا بين يدي الله تعالى، ويجاء بمن كان يعبدهما، فيقال (أدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله (وتراهم ينظرون إليك) قال: هؤلاء المشركون. وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد في قوله (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ما يدعوهم إليه من الهدى.
سورة الأعراف الآية (199 - 203)