لمن تدبره من المعاني الرشيقة واللطائف الأنيقة، وكلمة التوقع أظهر في المعنى الأول (كذلك كذب الذين من قبلهم) أي مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه، فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه، وقبل أن يأتيهم تأويله (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) من الأمم السالفة من سوء العاقبة بالخسف والمسخ ونحو ذلك من العقوبات التي حلت بهم كما حكى ذلك القرآن عنهم، واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم. قوله (ومنهم من يؤمن به) أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن من يؤمن به في نفسه ويعلم أنه صدق وحق، ولكنه كذب به مكابرة وعنادا: وقيل المراد: ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال، والموصول مبتدأ، وخبره منهم (ومنهم من لا يؤمن به) ولا يصدقه في نفسه، بل كذب به جهلا كما مر تحقيقه، أو لا يؤمن به في المستقبل، بل يبقى على جحوده وإصراره، وقيل الضمير في الموضعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قيل إن هذا التقسيم خاص بأهل مكة، وقيل عام في جميع الكفار (وربك أعلم بالمفسدين) فيجازيهم بأعمالهم، والمراد بهم: المصرون المعاندون، أو بكلا الطائفتين، وهم الذين يؤمنون به في أنفسهم ويكذبون به في الظاهر، والذين يكذبون به جهلا، أو الذين يؤمنون به في المستقبل، والذين لا يؤمنون به. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لهم إن أصروا على تكذيبه واستمروا عليه (لي عملي ولكم عملكم) أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم فقد أبلغت إليكم ما أمرت بإبلاغه، وليس علي غير ذلك، ثم أكد هذا بقوله (أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) أي لا تؤاخذون بعملي، ولا أؤاخذ بعملكم. وقد قيل إن هذا منسوخ بآية السيف كما ذهب إليه جماعة من المفسرين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (كذلك حقت كلمة ربك) يقول: سبقت كلمة ربك. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: صدقت. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (أم من لا يهدى إلا أن يهدى) قال: الأوثان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله (وإن كذبوك فقل لي عملي) الآية، قال: أمره بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم.
سورة يونس الآية (42 - 49)