يوح إليه شئ) أي والحال أنه لم يوح إليه شئ، وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم، وإنما هذا شأن الكذابين رؤوس الإضلال كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح. قوله (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) معطوف على " من افترى " أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ، أو ممن قال سأنزل مثل ما أنزل الله، وهم القائلون - لو نشاء لقلنا مثل هذا - وقيل هو عبد الله بن أبي سرح، فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأملى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ثم أنشأناه خلقا آخر - فقال عبد الله - فتبارك الله أحسن الخالقين - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هكذا أنزلت " فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال، ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف. قوله (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يصلح له، والمراد كل ظالم، ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله والمدعون للنبوات افتراء على الله دخولا أوليا، وجواب لو محذوف: أي لرأيت أمرا عظيما، والغمرات جمع غمرة: وهي الشدة، وأصلها الشئ الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه غمرة الماء، ثم استعملت في الشدائد، ومنه غمرة الحرب. قال الجوهري: والغمرة الشدة والجمع غمر: مثل نوبة ونوب، وجملة (والملائكة باسطوا أيديهم) في محل نصب: أي والحال أن الملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواح الكفار، وقيل للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد، ومثله قوله تعالى - ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم -.
قوله (أخرجوا أنفسكم) أي قائلين لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التي وقعتم فيها، أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب، أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها (اليوم تجزون عذاب الهون) أي اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، أو أرادوا باليوم الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر، والهون والهوان بمعنى: أي اليوم تجزون عذاب الهوان الذي تصيرون به في إهانة وذلة بعد ما كنتم فيه من الكبر والتعاظم، والباء في (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) للسببية: أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به (وكنتم عن آياته تستكبرون) عن التصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون - جزاء وفاقا -. قوله (ولقد جئتمونا فرادى) قرأ أبو حيوة فرادى بالتنوين، وهي لغة تميم، وقرأ الباقون بألف التأنيث للجمع فلم ينصرف. وحكى ثعلب " فراد " بلا تنوين مثل: ثلاث ورباع، وفرادى جمع فرد كسكارى جمع سكران وكسالى جمع كسلان، والمعنى: جئتمونا منفردين واحدا واحدا كل واحد منفرد عن أهله وماله وما كان يعبده من دون الله فلم ينتفع بشئ من ذلك (كما خلقناكم أول مرة) أي على الصفة التي كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم، والكاف نعت مصدر محذوف: أي جئتمونا مجيئا مثل مجيئكم عند خلقنا لكم، أو حال من ضمير فرادى: أي مشابهين ابتداء خلقنا لكم (وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) أي أعطيناكم، والحول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا: أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشئ منه ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه (وما نرى معكم شفعاءكم الذين) عبدتموهم وقلتم - ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى - و (زعمتم أنهم فيكم شركاء) لله يستحقون منكم العبادة كما يستحقها. قوله (لقد تقطع بينكم). قرأ نافع والكسائي وحفص بنصب بينكم على الظرفية، وفاعل تقطع محذوف: أي تقطع الوصل بينكم أنتم وشركاؤكم كما يدل عليه (وما نرى معكم شفعاءكم). وقرأ الباقون بالرفع على إسناد التقطع إلى البين: أي وقع التقطع بينكم، ويجوز أن يكون معنى قراءة النصب معنى قراءة الرفع في إسناد الفعل إلى الظرف، وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفا. وقرأ ابن مسعود