قوله (ولما سقط في أيديهم) أي ندموا وتحيروا بعد عود موسى من الميقات، يقال للنادم المتحير قد سقط في يده. قال الأخفش: يقال سقط في يده وأسقط، ومن قال سقط في أيديهم على البناء للفاعل، فالمعنى عنده: سقط الندم وأصله أن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها، لأن فاه قد وقع فيها. وقال الأزهري والزجاج والنحاس وغيرهم: معنى سقط في أيديهم: أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال: حصل في يده مكروه، وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد، لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد، قال الله تعالى - ذلك بما قدمت يداك - وأيضا الندم وإن حل القلب فأثره يظهر في البدن، لأن النادم يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى، قال الله تعالى - فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها - ومنه - ويوم يعض الظالم على يديه - أي من الندم، وأيضا النادم يضع ذقنه في يده (ورأوا أنهم قد ضلوا) معطوف على سقط: أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه (قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا) قرأ حمزة والكسائي بالفوقية في الفعلين جميعا، وقرأ الباقون بالتحتية، واللام للقسم، وجوابه (لنكونن من الخاسرين) وفى هذا الكلام منهم ما يفيد الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال، وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكى عنهم هنا وقع بعد رجوع موسى، وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد. قوله (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه، وانتصاب غضبان وأسفا على الحال، والأسف شديد الغضب. قيل هو منزلة وراء الغضب أشد منه، وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف، قال ابن جرير الطبري: أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا، فلذلك رجع وهو غضبان أسفا (قال بئسما خلفتموني من بعدي) هذا ذم من موسى لقومه: أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي: أي من بعد غيبتي عنكم، يقال خلفه بخير وخلفه بشر، استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده، ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلون حالهم واضطراب أفعالهم، ثم قال منكرا عليهم (أعجلتم أمر ربكم) والعجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، يقال عجلت الشئ سبقته وأعجلت الرجل حملته على العجلة، والمعنى: أعجلتم عن انتظار أمر ربكم: أي ميعاده الذي وعدنيه، وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم، وقيل معناه: تعجلتم سخط ربكم، وقيل معناه: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم (وألقى الألواح) أي طرحها لما اعتراه من شدة الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل. قوله (وأخذ برأس أخيه يجره إليه) أي أخذ برأس أخيه هارون أو بشعر رأسه حال كونه يجره إليه: فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامري ولا غيره ما رآه من عبادة بني إسرائيل للعجل فقال هارون معتذرا منه (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين استضعافهم لي، ومقاربتهم لقتلي وإنما قال ابن أم مع كونه أخاه من أبيه وأمه، لأنها كلمة لين وعطف، ولأنها كانت كما قيل مؤمنة. وقال الزجاج: قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه. قرئ " ابن أم " بفتح الميم تشبيها له بخمسة عشر، فصار كقولك يا خمسة عشر أقبلوا. وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد: إن الفتح على تقدير يا بن أما وقال البصريون هذا القول خطأ: لأن الألف خفيفة لا تحذف، ولكن جعل الاسمين اسما واحدا كخمسة عشر، واختاره الزجاج والنحاس: وأما من قرأ بكسر الميم فهو على تقدير ابن أمي، ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة لتدل عليها، وقال الأخفش وأبو حاتم: ابن أم بالكسر كما تقول يا غلام أقبل، وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيده، وإنما
(٢٤٨)