عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع). وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والواحدي من طريق ابن شهاب قال:
أخبرني سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه كتابا إلى النجاشي، فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، وأرسل النجاشي إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر بن أبي طالب أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ عليهم سورة مريم، فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل الله فيهم (ولتجدن أقربهم مودة) إلى قوله (من الشاهدين)، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير في الآية قال: هم رسل النجاشي بإسلامه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلا يختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه والسن، وفى لفظ: نعت من خيار أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثين رجلا، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة يس، فبكوا حين سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، فأنزل الله فيهم (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) الآية ونزلت هذه الآية فيهم أيضا - الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون - إلى قوله - أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا -. وأخرج عبد بن حميد والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بدون ذكر العدد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر رجلا سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ينظرون إليه ويسألونه فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا، فأنزل الله فيهم (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) الآية، والروايات في هذا الباب كثيرة، وهذا المقدار يكفي، فليس المراد إلا بيان سبب نزول الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله (قسيسين) قال: هم علماؤهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: القسيسون عبادهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله (فاكتبنا مع الشاهدين) قال: أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
سورة المائدة الآية (87 - 88) الطيبات: هي المستلذات لما أحله الله لعباده. نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها، إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقربا إليه. وأنه من الزهد في الدنيا فرفع النفس عن شهواتها، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم: حرام على وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني. قال ابن جرير الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شئ مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولذلك رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التبتل على عثمان بن مظعون.
فثبت أنه لا فضل في ترك شئ مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهدى