وقرأ الباقون (قاسية) (يحرفون الكلم عن مواضعه) الجملة مستأنفة لبيان حالهم أو حالية: أي يبدلونه بغيره أو يتأولونه على غير تأويله. وقرأ السلمي والنخعي " الكلام ". قوله (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) أي لا تزال يا محمد تقف على خائنة منهم، والخائنة: الخيانة، وقيل هو نعت لمحذوف، والتقدير فرقة خائنة، وقد تقع للمبالغة نحو علامة ونسابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة، وقيل خائنة معصية. قوله (إلا قليلا منهم) استثناء من الضمير في منهم (فاعف عنهم واصفح) قيل هذا منسوخ بآية السيف، وقيل خاص بالمعاهدين. قوله (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم) الجار والمجرور متعلق بقوله (أخذنا) والتقديم للاهتمام، والتقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم: أي في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء به. قال الأخفش هو كقولك أخذت من زيد ثوبه ودرهمه، فرتبة الذين بعد أخذنا. وقال الكوفيون بخلافه، وقيل إن الضمير في قوله (ميثاقهم) راجع إلى بني إسرائيل: أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بني إسرائيل، وقال (من الذين قالوا إنا نصارى) ولم يقل ومن النصارى للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله. قوله (فنسوا حظا مما ذكروا به) أي نسوا من الميثاق المأخوذ عليهم نصيبا وافرا عقب أخذه عليهم (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أي ألصقنا ذلك بهم، مأخوذ من الغراء: وهو ما يلصق الشئ بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غرى بالشيء يغرى غريا بفتح الغين مقصورا، وغراء بكسرها ممدودا، أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقا به، ومثل الإغراء التحرش، وأغريت الكلب: أي أولعته بالصيد، والمراد بقوله (بينهم) اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم جميعا، وقيل بين النصارى خاصة، لأنهم أقرب مذكور، وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية، وكفر بعضهم بعضا، وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم. قال النحاس: وما أحسن ما قيل في معنى (أغرينا بينهم العداوة والبغضاء) إن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها.
قوله (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) تهديد لهم: أي سيلقون جزاء نقض الميثاق.
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) قال: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره (وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) أي كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (اثنى عشر نقيبا) قال: من كل سبط من بني إسرائيل رجال أرسلهم موسى إلى الجبارين فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة، فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يافنة، فإنهما أمرا الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا الآخرين، فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما، فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في تيههم ذلك، فضرب موسى الحجر لكل سبط عينا حجرا لهم يحملونه معهم، فقال لهم موسى: اشربوا يا حمير، فنهاه الله عن سبهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (اثنى عشر نقيبا) قال: هم من بني إسرائيل بعثهم موسى لينظروا إلى المدينة فجاءوا بحبة من فاكهتهم وقر رجل، فقال: اقدروا قوة قوم وبأسهم وهذه فاكهتهم، فعند ذلك فتنوا فقالوا لا نستطيع القتال (فأذهب أنت وربك فقاتلا) وقد ذكر ابن إسحاق أسماء هؤلاء الأسباط، وأسماؤهم مذكورة في السفر الرابع من التوراة، وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وعزرتموهم) قال: أعنتموهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (وعزرتموهم)