أي إذا هازلتهن تعبيرا عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه. وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق، وقيل لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادعوا غليه ما لم يقله.
وقوله (من دون الله) متعلق بقوله (اتخذوني) على أنه حال: أي متجاوزين الحد، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين: أي كائنين من دون الله. قوله (سبحانك) تنزيه له سبحانه: أي أنزهك تنزيها (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) أي ما ينبغي لي أن أدعى لنفسي ما ليس من حقها (إن كنت قلته فقد علمته) رد ذلك إلى علمه سبحانه، وقد علم أنه لم يقله. فثبت بذلك عدم القول منه. قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها: أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك، وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان، وقيل المعنى: تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه، وقيل تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد. قوله (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) هذه جملة مقررة لمضمون ما تقدم: أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني (أن أعبدوا الله ربي وربكم) هذا تفسير لمعنى (ما قلت لهم) أي ما أمرتهم، وقيل عطف بيان للمضمر في (به) وقيل بدل منه (وكنت عليهم شهيدا) أي حفيظا ورقيبا أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك (ما دمت فيهم) أي مدة دوامي فيهم (فلما توفيتني) قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه، وليس بشئ لأن الأخبار قد تظافرت بأنه لم يمت، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان، وإنما المعنى: فلما رفعتني إلى السماء. قيل الوفاة في كتاب الله سبحانه جاءت على ثلاثة أوجه: بمعنى الموت، ومنه قوله تعالى - الله يتوفى الأنفس حين موتها - وبمعنى النوم، ومنه قوله تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم، وبمعنى الرفع، ومنه (فلما توفيتني) - وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك - (كنت أنت الرقيب عليهم) أصل المراقبة: المراعاة، أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم (إن تعذبهم فإنهم عبادك) تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) أي القادر على ذلك الحكيم في أفعاله، قيل قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده. ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك، وقيل قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له، ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم. قوله (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) أي صدقهم في الدنيا، وقيل في الآخرة، والأول أولى. قرأ نافع وابن محيصن (يوم) بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع، فوجه النصب أنه ظرف للقول: أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين، ووجه الرفع أنه خبر للمبتدأ هو وما أضيف إليه. وقال الكسائي نصب (يوم) ها هنا لأنه مضاف إلى الجملة، وأنشد:
على حين عاتبت المشيب على الصبا * وقلت ألما أصح والشيب وازع وبه قال الزجاج، ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض. وقرأ الأعمش (هذا يوم ينفع) بتنوين يوم كما في قوله - واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا - فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين، وقد تقدم تفسير قوله (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا). قوله (رضي الله عنهم ورضوا عنه) أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له، ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم وأعلى منازل الكرامة، والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبدا. ورضوان الله عنهم. والفوز: الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال. قوله (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير) جاء سبحانه بهذه الخاتمة دفعا لما سبق من إثبات من