وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله تعالى (جعل الشمس ضياء والقمر نورا) قال:
لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار، وهو قوله (فمحونا آية الليل) الآية. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: وجوههما إلى السماوات، وأقفيتهما إلى الأرض. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو مثله. وأخرج أبو الشيخ عن خليفة العبدي قال: لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد، ولكن المؤمنون تفكروا في مجئ هذا الليل إذا جاء فملأ كل شئ وغطى كل شئ، وفي مجئ سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل، وفى السحاب المسخر بين السماء والأرض، وفى النجوم، وفى الشتاء والصيف، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم.
سورة يونس الآية (7 - 10) شرع الله سبحانه في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد، ومن يؤمن به، وقدم الطائفة التي لم تؤمن، لأن الكلام في هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه، ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حي طول حياته، فيتسبب عن إهمال النظر، والتفكر الصادق: عدم الإيمان بالمعاد، ومعنى الرجاء هنا الخوف، ومنه قول الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عواسل وقيل يرجون: يطمعون، ومنه قول الشاعر:
أترجو بني مروان سمعي وطاعتي * وقومي تميم والفلاة ورائيا فالمعنى على الأول لا يخافون عقابا، وعلى الثاني لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته، فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى: لا يخافون رؤيتنا أو لا يطمعون في رؤيتنا، وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع فيدخل تحته الخوف والطمع، فيكون المعنى (لا يرجون لقاءنا) لا يتوقعون لقاءنا فهم لا يخافونه ولا يطمعون فيه (ورضوا بالحياة الدنيا) أي رضوا بها عرضا عن الآخرة، فعملوا لها (واطمأنوا بها) أي سكنت أنفسهم إليها وفرحوا بها (والذين هم عن آياتنا غافلون) لا يعتبرون بها ولا يتفكرون فيها (أولئك مأواهم) أي مثواهم ومكان إقامتهم النار، والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء، وحصول الرضا والاطمئنان، والغفلة (بما كانوا يكسبون) أي بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد، وأما حال الذين يؤمنون به فقد بينه سبحانه بقوله (إن الذين آمنوا) أي فعلوا الإيمان الذي طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم