في ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما لا يأذن الله به وغلب العقلاء على غيرهم لكونهم أشرف. وفي الآية نعي على عباد الشر والملائكة والجمادات، لأنهم عبدوا المملوك وتركوا المالك، وذلك مخالف لما يوجبه العقل، ولهذا عقبه بقوله (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) والمعنى: أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله فليست شركاء له على الحقيقة، لأن ذلك محال - لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا - وما في وما يتبع نافية وشركاء مفعول يتبع، وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفا، والأصل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء في الحقيقة: إنما هي أسماء لا مسميات لها، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، ويجوز أن يكون المذكور مفعول يدعون، وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه، ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى أي شئ يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، ويكون على هذا الوجه شركاء منصوبا بيدعون، والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم والإزراء عليهم. ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من في السماوات: أي لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، والمعنى: أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السماوات ومن في الأرض. ثم زاد سبحانه في تأكيد الرد عليهم والدفع لأقوالهم فقال (إن يتبعون إلا الظن) أي ما يتبعون يقينا إنما يتبعون ظنا، والظن لا يغني من الحق شيئا (إن هم إلا يخرصون) أي يقدرون أنهم شركاء تقديرا باطلا وكذبا بحتا، وقد تقدمت هذه الآية في الأنعام. ثم ذكر سبحانه طرفا من آثار قدرته مع الامتنان على عباده ببعض نعمه فقال (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) أي جعل لعباده الزمان منقسما إلى قسمين: أحدهما مظلم وهو الليل لأجل يسكن العباد فيه عن الحركة والتعب ويريحون أنفسهم عن الكد والكسب، والآخر مبصر لأجل يسعون فيه بما يعود على نفعهم وتوفير معايشهم، ويحصلون ما يحتاجون إليه في وقت مضئ منير، لا يخفى عليهم فيه كبير ولا حقير، وجعله سبحانه للنهار مبصرا مجاز. والمعنى: أنه مبصر صاحبه كقولهم: نهاره صائم، والإشارة بقوله (إن في ذلك) إلى الجعل المذكور (لآيات) عجيبة كثيرة (لقوم يسمعون) أي يسمعون ما يتلى عليهم من الآيات التنزيلية المنبهة على الآيات التكوينية مما ذكره الله سبحانه هاهنا منها ومن غيرها مما لم يذكره، فعند السماع منهم لذلك يتفكرون ويعتبرون.
فيكون ذلك من أعظم أسباب الإيمان. قوله (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) هذا نوع آخر من أباطيل المشركين التي كانوا يتكلمون بها، وهو زعمهم بأن الله سبحانه اتخذ ولدا، فرد ذلك عليهم بقوله (سبحانه هو الغني) فنزه جل وعلا عما نسبوه إليه من هذا الباطل البين، وبين أنه غني عن ذلك وأن الولد إنما يطلب للحاجة.
والغني المطلق لا حاجة له حتى يكون له ولد يقضيها، وإذا انتفت الحاجة انتفى الولد، وأيضا إنما يحتاج إلى الولد من يكون بصدد الانقراض ليقوم الولد مقامه، والأزلي القديم لا يفتقر إلى ذلك. وقد تقدم تفسير الآية في البقرة.
ثم بالغ في الرد عليهم بما هو كالبرهان، فقال (له ما في السماوات وما في الأرض)، وإذا كان الكل له وفي ملكه فلا يصح أن يكون شئ مما فيهما ولدا له للمنافاة بين الملك والبنوة والأبوة، ثم زيف دعواهم الباطلة وبين أنها بلا دليل فقال (إن عندكم من سلطان بهذا) أي ما عندكم من حجة وبرهان بهذا القول الذي تم لونه، و " من " في (من سلطان) زائدة للتأكيد، والجار والمجرور في (بهذا) متعلق إما بسلطان لأنه بمعنى الحجة والبرهان، أو متعلق بما عندكم لما فيه من معنى الاستقرار. ثم وبخهم على هذا القول العاطل على الدليل الباطل عند العقلاء فقال (أتقولون على الله ما لا تعلمون)، ويستفاد من هذا أن كل قول لا دليل عليه ليس هو من العلم من شئ، بل من الجهل المحض ثم أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم قولا يدل على أن ما قالوه كذب، وأن من كذب على الله