جاء السحرة) في الكلام حذف، والتقدير هكذا: وقال فرعون ائتوني بكل سحار عليم فأتوا بهم إليه، فلما جاء السحرة، فتكون الفاء للعطف على المقدر المحذوف. قوله (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) أي قال لهم هذه المقالة بعد أن قالوا له: إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقون: أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم (فلما ألقوا) ما ألقوه من ذلك (قال) لهم (موسى ما جئتم به السحر) أي الذي جئتم به السحر على أن ما موصولة مبتدأ والخبر السحر، والمعنى أنه سحر، لا أنه آية من آيات الله. وأجاز الفراء نصب السحر بجئتم، وتكون ما شرطية، والشرط جئتم، والجزاء " إن الله سيبطله " على تقدير الفاء: أي فإن الله سيبطله، وقيل إن السحر منتصب على المصدر: أي ما جئتم به سحرا، ثم دخلت الألف واللام فلا يحتاج على هذا إلى حذف الفاء، واختاره النحاس. وقال: حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من الحويين إلا في ضرورة الشعر. وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر " آلسحر " على أن الهمزة للاستفهام، والتقدير: أهو السحر فتكون ما على هذه القراءة استفهامية. وقرأ أبي " ما أتيتم به سحر إن الله سيبطله " أي سيمحقه فيصير باطلا بما يظهره على يدي من الآيات المعجزة (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) أي عمل هذا الجنس، فيشمل كل من يصدق عليه أنه مفسد ويدخل فيه السحر والسحرة دخولا أوليا، والواو في (ويحق الله الحق) للعطف على سيبطله: أي يبينه ويوضحه (بكلماته) التي أنزلها في كتبه على أنبيائه لاشتمالها على الحجج والبراهين (ولو كره المجرمون) من آل فرعون أو المجرمون على العموم ويدخل تحتهم آل فرعون دخولا أوليا، والإجرام الآثام. قوله (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) الضمير يرجع إلى موسى: أي من قوم موسى، وهم طائفة من ذراري بني إسرائيل، وقيل المراد طائفة من ذراري فرعون فيكون الضمير عائدا على فرعون، قيل ومنهم مؤمن آل فرعون وامرأته وماشطة ابنته وامرأة خازنه، وقيل هم قوم آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل، روى هذا عن الفراء (على خوف من فرعون وملأهم) الضمير لفرعون، وجمع لأنه لما كان جبارا جمعوا ضميره تعظيما له، وقيل إن قوم فرعون سموا بفرعون مثل ثمود، فرجع الضمير إليهم بهذا الاعتبار، وقيل إنه عائد على مضاف محذوف، والتقدير: على خوف من آل فرعون، وروى هذا عن الفراء. ومنع ذلك الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهما قامت هند وأنت تريد غلامها. وروى عن الأخفش أن الضمير يعود على الذرية، وقواه النحاس (أن يفتنهم) أي يصرفهم عن دينهم بالعذاب الذي كان ينزله بهم، وهو بدل اشتمال. ويجوز أن يكون في موضع نصب بالمصدر (وإن فرعون لعال في الأرض) أي عات متكبر متغلب على أرض مصر (وإنه لمن المسرفين) المجاوزين للحد في الكفر وما يفعله من القتل والصلب وتنويع العقوبات. قوله (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) قيل إن هذا من باب التكرير للشرط. فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام: أي الاستسلام لقضائه وقدره، وقيل إن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل، والمشروط بالإسلام وجوده، والمعنى: أن يسلموا أنفسهم لله: أي يجعلوها له سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط. قال في الكشاف: ونظيره في الكلام إن ضربك زيد فاضربه إن كانت لك به قوة (فقالوا) أي قوم موسى مجيبين له (على الله توكلنا) ثم دعوا الله مخلصين فقالوا (ربنا لا تجعلنا فتنة) أي موضع فتنة (للقوم الظالمين) والمعنى: لا تسلطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا، ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا فيقولون لهم: لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم، وعلى المعنى الأول تكون الفتنة بمعنى المفتون. ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة
(٤٦٦)