وقرئ بنصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل، وقرأ الحسن (النعم) بسكون العين تخفيفا (يحكم به) أي بالجزاء أو بمثل ما قتل (ذوا عدل منكم) أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين، فإذا حكما بشئ لزم، وإن اختلفا رجع إلى غيرهما، ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين، وقيل يجوز، وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه: وظاهر الآية يقتضي حكمين غير الجاني. قوله (هديا بالغ الكعبة) نصب هديا على الحال أو البدل من مثل، و (بالغ الكعبة) صفة لهديا، لأن الإضافة غير حقيقية، والمعنى أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك، والإشعار والتقليد، ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدى لا يبلغها، وإنما أراد الحرم، ولا خلاف في هذا. قوله (أو كفارة) معطوف على محل من النعم: وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف، و (طعام مساكين) عطف بيان لكفارة أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف (أو عدل ذلك) معطوف على طعام، وقيل هو معطوف على جزاء، وفيه ضعف، فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة، وعدل الشئ ما عادله من غير جنسه، و (صياما) منصوب على التمييز، وقد قرر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام، وقد ذهب إلى أن الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء. وروي عن ابن عباس أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدى، والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهم الميل قاله الكسائي. وقال الفراء: عدل الشئ بكسر العين مثله من جنسه، وبفتح العين مثله من غير جنسه، وبمثل قول الكسائي قال البصريون. قوله (ليذوق وبال أمره) عليه لإيجاب الجزاء: أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره، والذوق مستعار لإدراك المشقة، ومثله - ذق إنك أنت العزيز الكريم - والوبال: سوء العاقبة، والمرعى الوبيل: الذي يتأذى به بعد أكله، وطعام وبيل: إذا كان ثقيلا. قوله (عفا الله عما سلف) يعنى في جاهليتكم من قتلكم للصيد، وقيل عما سلف قبل نزول الكفارة (ومن عاد) إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان (فينتقم الله منه) خبر مبتدأ محذوف، أي فهو ينتقم الله منه. قيل المعنى: إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه، وقيل ينتقم منه بالكفارة. قال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أول مرة، فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له: اذهب ينتقم الله منك: أي ذنبك أعظم من أن يكفر. قوله (أحل لكم صيد البحر) الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة، وصيد البحر ما يصاد فيه، والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحري وإن كان نهرا أو غديرا. قوله (وطعامه متاعا لكم وللسيارة) الطعام لكل ما يطعم، وقد تقدم. وقد اختلف في المراد به هنا فقيل: هو ما قذف به البحر وطفا عليه، وبه قال كثير من الصحابة والتابعين، وقيل طعامه ما ملح منه وبقى، وبه قال جماعة. وروي عن ابن عباس، وقيل طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره، وبه قال قوم، وقيل المراد به ما يطعم من الصيد: أي ما يحل أكله وهو السمك فقط، وبه قالت الحنفية. والمعنى: أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر. وأحل لكم المأكول منه وهو السمك، فيكون التخصيص بعد التعميم، وهو تكلف لا وجه له، ونصب " متاعا " على أنه مصدر: أي متعمم به متاعا. وقيل مفعول له مختص بالطعام: أي أحل لكم طعام البحر متاعا، وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير. بل إذا كان مفعولا له كان من الجميع: أي أحل لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعا لكم: أي لمن كان مقيما منكم يأكله طريا (وللسيارة) أي المسافرين منكم يتزودونه ويجعلونه قديدا، وقيل السيارة: هم الذين يركبونه خاصة. قوله (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) أي حرم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين. وظاهرة تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالا، وإليه ذهب الجمهور إن كان الحلال صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله، وهو القول الراجح،
(٧٨)