لهم) قرأ حفص وحمزة والكسائي " صلاتك " بالتوحيد. وقرأ الباقون بالجمع، والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به. قوله (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) لما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقا. قال الله (ألم يعلموا) أي غير التائبين، أو التائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم (أن الله هو يقبل التوبة) لاستغنائه عن طاعة المطيعين، وعدم مبالاته بمعصية العاصين. وقرئ (ألم تعلموا) بالفوقية، وهو إما خطاب للتائبين، أو لجماعة من المؤمنين، ومعنى (ويأخذ الصدقات): أي يتقبلها منهم، وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها. وقوله (وأن الله هو التواب الرحيم) معطوف على قوله (أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) مع تضمنه لتأكيد ما اشتمل عليه المعطوف عليه: أي أن هذا شأنه سبحانه. وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل، والتأكيد من التبشير لعباده والترغيب لهم ما لا يخفى. قوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) فيه تخويف وتهديد: أي إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، فسارعوا إلى أعمال الخير وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل، وفيه أيضا ترغيب وتنشيط، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خير أو شرا رغب إلى أعمال الخير، وتجنب أعمال الشر، وما أحسن قول زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم والمراد بالرؤية هنا العلم بما يصدر منهم من الأعمال، ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة) أي وستردون بعد الموت إلى الله سبحانه الذي يعلم ما تسرونه وما تعلنونه وما تخفونه وما تبدونه، وفي تقديم الغيب على الشهادة إشعار بسعة علمه عز وجل، وأنه لا يخفى عليه شئ ويستوي عنده كل معلوم.
ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردهم إليه فقال (فينبئكم) أي يخبركم (بما كنتم تعملون) في الدنيا، فيجازي المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته، ويتفضل على من يشاء من عباده. قوله (وآخرون مرجون لأمر الله) ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين: الأول المنافقون الذين مردوا على النفاق، والثاني التائبون المعترفون بذنوبهم، الثالث الذين بقي أمرهم موقوفا في تلك الحال، وهم المرجون لأمر الله، من أرجيته وأرجأته: إذا أخرته. قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص (مرجون) بالواو من غير همز، وقرأ الباقون بالهمزة المضمومة بعد الجيم. والمعنى:
أنهم مؤخرون في تلك الحال لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها، بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه في شأنهم (إما يعذبهم) إن بقوا على ما هم عليه ولم يتوبوا (وإما يتوب عليهم) إن تابوا توبة صحيحة وأخلصوا إخلاصا تاما، والجملة في محل نصب على الحال، والتقدير (وآخرون مرجون لأمر الله) حال كونهم، إما معذبين، وإما متوبا عليهم (والله عليم) بأحوالهم (حكيم) فيما يفعله بهم من خير أو شر.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى أنه سئل عن قوله (والسابقون الأولون) فقال: هم الذين صلوا القبلتين جميعا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب مثله. وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين مثله أيضا.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: هم أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي قال: هم من أدرك بيعة الرضوان وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (والذين اتبعوهم بإحسان) قال: التابعون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: هم من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن