هو مقصوص عليك خبر بعد خبر، وقد تقدم تحقيق معنى القصص، والضمير في منها عائد إلى القرى: أي من القرى قائم، ومنها حصيد، والقائم: ما كان قائما على عروشه، والحصيد: ما لا أثر له، وقيل القائم: العامر، والحصيد: الخراب، وقيل القائم: القرى الخاوية على عروشها، والحصيد: المستأصل بمعنى محصود، شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع قال الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم * كالزرع منه قائم وحصيد (وما ظلمناهم) بما فعلنا بهم من العذاب (ولكن ظلموا أنفسهم) بالكفر والمعاصي (فما أغنت عنهم آلهتهم) أي فما دفعت عنهم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله شيئا من العذاب (لما جاء أمر ربك) أي لما جاء عذابه (وما زادوهم غير تتبيب: الهلاك والخسران: أي ما زادتهم الأصنام التي يعبدونها إلا هلاكا وخسرانا، وقد كانوا يعتقدون أنها تعينهم على تحصيل المنافع (وكذلك أخذ ربك) قرأ الجحدري وطلحة بن مصرف " أخذ " على أنه فعل. وقرأ غيرهما " أخذ " على المصدر (إذا أخذ القرى وهي ظالمة) أي أهلها وهم ظالمون (إن أخذه) أي عقوبته للكافرين (أليم شديد) أي موجع غليظ (إن في ذلك لآية) أي في أخذ الله سبحانه لأهل القرى، أو في القصص الذي قصه على رسوله لعبرة وموعظة (لمن خاف عذاب الآخرة) لأنهم الذين يعتبرون بالعبر، ويتعظون بالمواعظ، والإشارة بقوله (ذلك يوم مجموع له الناس) إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة أن يجمع فيه الناس للمحاسبة والمجازاة (وذلك) أي يوم القيامة (يوم مشهود) أي يشهده أهل المحشر، أو مشهود فيه الخلائق، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول (وما نؤخره إلا لأجل معدود) أي وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء أجل معدود معلوم بالعدد، قد عين الله سبحانه وقوع الجزاء بعده (يوم يأت) قرأ أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الدرج، حذفها في الوقف. وقرأ أبي وابن مسعود بإثباتها وصلا ووقفا. وقرأ الأعمش بحذفها فيهما، ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة.
ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رسم المصحف كذلك. وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول لا أدر، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر، وأنشد الفراء في حذف الياء:
كفاك كف ما تليق درهما * جودا وأخرى تعط بالسيف الدما قال الزجاج: والأجود في النحو إثبات الياء. والمعنى: حين يأتي يوم القيامة (لا تكلم نفس) أي لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفا: أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام، وقيل لا تكلم بحجة ولا شفاعة (إلا بإذنه) سبحانه لها في التكلم بذلك، وقد جمع بين هذا وبين قوله - هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون - باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة. وقد تكرر مثل هذا الجمع في مواضع (فمنهم شقي وسعيد) أي من الأنفس شقي ومنهم سعيد، فالشقي من كتبت عليه الشقاوة، والسعيد من كتبت له السعادة، وتقديم الشقي على السعيد لأن المقام مقام تحذير (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق) أي فأما الذين سبقت لهم الشقاوة فمستقرون في النار لهم فيها زفير وشهيق. قال الزجاج: الزفير من شدة الأنين، وهو المرتفع جدا. قال: وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير، والشهيق بمنزلة آخره، وقيل الزفير: الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف، وقيل الزفير: إخراج النفس، والشهيق: رد النفس، وقيل الزفير من الصدر، والشهيق من الحلق، وقيل الزفير: ترديد النفس من شدة الخوف، والشهيق: النفس الطويل الممتد،