ما في قلوبهم من الغل على بعضهم بعضا حتى تصفوا قلوبهم ويود بعضهم بعضا، فإن الغل لو بقي في صدورهم كما كان في الدنيا لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة، لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر. والغل:
الحقد الكامن في الصدور، وقيل نزع الغل في الجنة أن لا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل المنازل (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) أي لهذا الجزاء العظيم، وهو الخلود في الجنة ونزع الغل من صدورهم، والهداية هذه لهذا هي الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا (وما كنا لنهتدي) قرأ ابن عامر بإسقاط الواو، وقرأ الباقون بإثباتها، وما كنا نطيق أن نهتدي بهذا الأمر لولا هداية الله لنا، والجملة مستأنفة أو حالية، وجواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله: أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي. قوله (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) اللام لام القسم، قالوا هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم اغتباطا بما صاروا فيه بسبب ما تقدم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذي صاروا فيه. قوله (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقيل لهم تلكم الجنة أورثتموها: أي ورثتم منازلها بعملكم. قال في الكشاف: بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى.
أقول: يا مسكين هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه " سد دوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر، ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل باقداره على العمل لم يكن عمل أصلا، فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار لكان القائلون به محقة لا مبطلة، وفى التنزيل - ذلك الفضل من الله - وفيه - فسيدخلهم في رحمة منه وفضل -.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لا تفتح لهم أبواب السماء) يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شئ. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال: لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا في الآية قال: لا تفتح لأرواحهم، وهي تفتح لأرواح المؤمنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا حتى يلج الجمل) قال: ذو القوائم (في سم الخياط) قال: في خرت الإبرة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله (حتى يلج الجمل) قال: زوج الناقة. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال: هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن. وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عمر أنه سئل عن سم الخياط فقال: الجمل في ثقب الإبرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: المهاد الفراش، والغواش اللحف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية (ونزعنا ما في صدورهم من غل). وأخرج النسائي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول لولا أن هدانا الله فهذا شكرهم ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) قال: نودوا أن صحوا فلا تسقموا، وانعموا فلا تبأسوا، وشبوا فلا تهرموا، واخلدوا فلا تموتوا.