أي كسبت، والمعنى في الآية: لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم أولا يكسبنكم بغضهم اعتداءكم للحق إلى الباطل، ويقال جرم يجرم جرما: إذا قطع. قال علي بن عيسى الرماني: وهو الأصل، فجرم بمعنى حمل على الشئ لقطعه من غيره، وجرم بمعنى كسب لانقطاعه إلى الكسب، ولا جرم بمعنى حق لأن الحق يقطع عليه قال الخليل: معنى - لا جرم أن لهم النار - لقد حق أن لهم النار. وقال الكسائي: جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد:
أي اكتسب. وقرأ ابن مسعود (لا يجرمنكم) بضم الياء، والمعنى: لا يكسبنكم ولا يعرف البصريون أجرم، وإنما يقولون جرم لا غير. والشنآن: البغض. وقرئ بفتح النون وإسكانها، يقال شنيت الرجل أشنوه شناء ومشنأة وشنآنا كل ذلك: إذا أبغضته، وشنآن هنا مضاف إلى المفعول: أي بغض قوم منكم لا بغض قوم لكم. قوله (أن صدوكم) بفتح الهمزة مفعول لأجله. أي لأن صدوكم. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة على الشرطية، وهو اختيار أبي عبيد، وقرأ الأعمش (إن يصدوكم) والمعنى على قراءة الشرطية: لا يحملنكم بغضهم إن وقع منهم الصد لكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم. قال النحاس: وأما إن صدوكم بكسر إن، فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء: منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست، فالصد كان قبل الآية، وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلا بعده كما تقول: لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك، فهذا لا يكون إلا للمستقبل وإن فتحت كان للماضي، وما أحسن هذا الكلام. وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيدة شنآن بسكون النون. لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة وخالفهما غيرهما فقال: ليس هذا مصدرا، ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان. ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بالتعاون على البر والتقوى:
أي ليعن بعضكم بعضا على ذلك، وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائنا ما كان، قيل إن البر والتقوى لفظان لمعنى واحد، وكرر للتأكيد. وقال ابن عطية: إن البر يتناول الواجب والمندوب، والتقوى تختص بالواجب، وقال الماوردي: إن في البر رضا الناس وفي التقوى رضا الله، فمن جمع بينهما فقد تمت سعادته ثم نهاهم سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان، فالإثم: كل فعل أو قول يوجب إثم فاعله أو قائله، والعدوان:
التعدي على الناس بما فيه ظلم، فلا يبقى نوع من أنواع الموجبات للإثم ولا نوع من أنواع الظلم للناس الذين من جملتهم النفس إلا وهو داخل تحت هذا النهي لصدق هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما، ثم أمر عباده بالتقوى وتوعد من خالف ما أمر به فتركه أو خالف ما نهى عنه ففعله بقوله (إن الله شديد العقاب).
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله (أوفوا بالعقود) قال: ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله لا تغدروا ولا تنكثوا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: هي عقود الجاهلية الحلف. وروى عنه ابن جرير أنه قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول " وأوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال: الإبل والبقر والغنم. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال: ما في بطونها، قلت: إن خرج ميتا آكله؟ قال نعم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله (إلا ما يتلى عليكم) قال: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به إلى آخر الآية، فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لا تحلوا شعائر الله) قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فقال الله (لا تحلوا