سورة الأعراف الآية (185 - 186) قوله (وممن خلقنا) خبر مقدم و (أمة) مبتدأ مؤخر و (يهدون) وما بعده صفة له، ويجوز أن يكون (وممن خلقنا) هو المبتدأ كما تقدم في قوله - ومن الناس من يقول - والمعنى: أن من جملة من خلقه الله أمة يهدون الناس متلبسين بالحق أو يهدونهم بما عرفوه من الحق (و) بالحق (يعدلون) بينهم قيل هم من هذه الأمة، وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين كما ورد في الحديث الصحيح، ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) والاستدراج: هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، والدرج: كف الشئ، يقال أدرجته ودرجته، ومنه إدراج الميت في أكفانه، وقيل هو من الدرجة، فالاستدراج: أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود، ومنه درج الصبي: إذا قارب بين خطاه، وأدرج الكتاب: طواه شيئا بعد شئ، ودرج القوم: مات بعضهم في أثر بعض، والمعنى: سنستدينهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم، وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها، فينهمكون في الغواية ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة. قوله (وأملى لهم) معطوف على سنستدرجهم: أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عنهم العقوبة. وجملة (إن كيدي متين) مقررة لما قبلها من الاستدراج والإملاء ومؤكدة له، والكيد: المكر، والمتين: الشديد القوي، وأصله من المتن وهو اللحم الغليظ الذي على جانب الصلب قال في الكشاف: سماء كيدا، لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان، والاستفهام في (أولم يتفكروا) للإنكار عليهم حيث لم يتفكروا في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيما جاء به و " ما " في (ما بصاحبهم) للاستفهام الإنكاري، وهي في محل رفع بالابتداء والخبر بصاحبهم، والجنة مصدر: أي وقع منهم التكذيب ولم يتفكروا أي شئ من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون، فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلا، وقولهم زورا وبهتا، وقيل إن " ما " نافية واسمها (من جنة) وخبرها بصاحبهم: أي ليس بصاحبهم شئ مما يدعونه من الجنون، فيكون هذا ردا لقولهم - يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون - ويكون الكلام قد تم عند قوله (أو لم يتفكروا) والوقف عليه من الأوقاف الحسنة، وجملة (إن هو إلا نذير مبين) مقررة لمضمون ما قبلها، ومبينة لحقيقة حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستفهام في (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض) للإنكار والتقريع والتوبيخ ولقصد التعجيب من إعراضهم عن النظر في الآيات البينة الدالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية، والملكوت من أبنية المبالغة، ومعناه الملك العظيم وقد تقدم بيانه، والمعنى: إن هؤلاء لم يتفكروا حتى ينتفعوا بالتفكر، ولا نظروا في مخلوقات الله حتى يهتدوا بذلك إلى الإيمان به، بل هم سادرون في ضلالتهم خائضون في غوايتهم لا يعملون فكرا ولا يمعنون نظرا. قوله (وما خلق الله من شئ) أي لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ولا فيما خلق الله من شئ من الأشياء كائنا ما كان، فإن في كل مخلوقاته عبرة للمعتبرين وموعظة للمتفكرين، سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السماوات والأرض، أو من دقائقها من سائر مخلوقاته. قوله (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) معطوف على ملكوت وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها عسى وما بعدها: أي أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فيموتون عن قريب. والمعنى: إنهم إذا كانوا يجوزون قرب آجالهم فما لهم لا ينظرون فيما يهتدون
(٢٧١)