قدمنا أن المشهور في كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء، وهذا المروى عن ابن عباس في إسناده العوفي، وهو ضعيف جدا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (رجز الشيطان) قال: وسوسته. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وليربط على قلوبكم) قال: بالصبر (ويثبت به الأقدام) قال: كان بطن الوادي دهاسا، فلما مطروا اشتدت الرملة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله (ويثبت به الأقدام) قال حتى تشتد على الرمل وهو كهيئة الأرض. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى تلك الليلة ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد " وأصابهم تلك الليلة مطر شديد فذلك قوله (ويثبت به الأقدام). وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال لي أبى: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ابن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله (فاضربوا فوق الأعناق) يقول: الرؤوس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية (فاضربوا فوق الأعناق) قال: اضربوا الأعناق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك (فاضربوا فوق الأعناق) يقول: اضربوا الرقاب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (واضربوا منهم كل بنان) قال: يعني بالبنان الأطراف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية (واضربوا منهم كل بنان) قال: كل مفصل.
سورة الأنفال الآية (15 - 18) الزحف: الدنو قليلا قليلا، وأصله الاندفاع على الإلية، ثم سمى كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا:
والتزاحف: التداني والتقارب. تقول زحف إلى العدو زحفا، وازدحف القوم: أي مشى بعضهم إلى بعض وانتصاب زحفا إما على أنه مصدر لفعل محذوف: أي تزحفون زحفا، أو على أنه حال من المؤمنين: أي حال كونكم زاحفين إلى الكفار، أو حال من الذين كفروا: أي حال كون الكفار زاحفين إليكم، أو حال من الفريقين أي متزاحفين (فلا تولوهم الأدبار) نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال. فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كل حال إلا حالة التحرف والتحيز. وقد روى عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وزيد