من الأنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه: أي بتسهيله وتيسيره ومشيئته لذلك فلا يقع غير ما يشاؤه كائنا ما كان (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) أي العذاب أو الكفر أو الخذلان الذي هو سبب العذاب. وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل " ونجعل " بالنون. وفي الرجس لغتان ضم الراء وكسرها، والمراد بالذين لا يعقلون: هم الكفار الذين لا يتعقلون حجج الله ولا يتفكرون في آياته ولا يتدبرون فيما نصبه لهم من الأدلة.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) قال: بوأهم الله الشام وبيت المقدس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال: منازل صدق مصر والشام. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) قال: العلم كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به. وقد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، وهو في السنن والمسانيد، والكلام فيه يطول. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله (فإن كنت في شك) الآية، قال: لم يشك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسأل. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا أشك ولا أسأل. وهو مرسل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) قال: التوراة والإنجيل الذين أدركوا محمدا من أهل الكتاب وآمنوا به، يقول:
سلهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) قال: حق عليهم سخط الله بما عصوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله (فلولا كانت قرية آمنت) يقول فما كانت قرية آمنت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: لم يكن هذا في الأمم قبل قوم يونس لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس، فاستثنى الله قوم يونس. قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل، فلما فقدوا نبيهم قذف الله في قلوبهم التوبة فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، فعجوا إلى الله أربعين صباحا، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد ما تدلي عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن يونس دعا قومه، فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب، فقال: إنه يأتيكم يوم كذا وكذا، ثم خرج عنهم، وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت، فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها، وبين السخلة وولدها، وخرجوا يعجون إلى الله، وعلم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب، وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر، فمر به رجل فقال: ما فعل قوم يونس؟ فحدثه بما صنعوا، فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم، وانطلق مغاضيا:
يعني مراغما. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال:
غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا دخل فيه صاحبه ومطرت السماء دما. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن ابن عباس أن العذاب كان هبط على قوم يونس لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، فلما دعوا كشفه الله عنهم. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم. فقالوا له ما ترى؟ قال: قولوا يا حي حين لا حي، ويا حي محيي