أيمانهم التي بلغتها قدرتهم، وقد كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم، فلهذا أقسموا به، وانتصاب جهد على المصدرية وهو بفتح الجيم المشقة، وبضمها الطاقة، ومن أهل اللغة من يجعلهما لمعنى واحد، والمعنى:
أنهم اقترحوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية من الآيات التي كانوا يقترحونها وأقسموا لئن جاءتهم هذه الآية التي اقترحوها (ليؤمنن بها) وليس غرضهم الإيمان، بل معظم قصدهم التحكم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتلاعب بآيات الله، فأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بقوله (إنما الآيات عند الله) هذه الآية التي يقترحونها وغيرها وليس عندي من ذلك شئ، فهو سبحانه إن أراد إنزالها أنزلها، وإن أراد أن لا ينزلها لم ينزلها.
قوله (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون). قرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة من أنها وهي قراءة مجاهد، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود (وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون) قال مجاهد وابن زيد: المخاطب بهذا:
المشركون: أي وما يدريكم، ثم حكم عليهم بقوله (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وقال الفراء وغيره: الخطاب للمؤمنين، لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وقرأ أهل المدينة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر " أنها إذا جاءت " بفتح الهمزة، قال الخليل: أنها بمعنى لعلها، وفى التنزيل - وما يدريك لعله يزكى - أي أنه يزكى. وحكى عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا: أي لعلك، ومنه قول عدي بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيتي * إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد أي لعل منيتي، ومنه قول دريد بن الصمة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني * أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا أي لعلني، وقول أبي النجم:
قلت لشيبان ادن من لقائه * أني بعد اليوم من سوائه أي لعلى، وقول جرير:
هل أنتم عائجون بنا لأن * نرى العرصات أو أثر الخيام أي لعلنا اه. وقد وردت في كلام العرب كثيرا بمعنى لعل. وحكى الكسائي أنها كذلك في مصحف أبي بن كعب. وقال الكسائي أيضا والفراء: إن " لا " زائدة، والمعنى: وما يشعركم أنها: أي الآيات، إذا جاءت يؤمنون فزيدت كما زيدت في قوله تعالى - وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون - وفى قوله - ما منعك أن لا تسجد - وضعف الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة لا وقالوا: هو غلط وخطأ. وذكر النحاس وغيره أن في الكلام حذفا والتقدير: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، ثم حذف هذا المقدر لعلم السامع. قوله (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) معطوف على " لا يؤمنون " قيل والمعنى: تقليب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر (كما لم يؤمنوا) في الدنيا (ونذرهم) في الدنيا: أي نمهلهم ولا نعاقبهم فعلى هذا بعض الآية في الآخرة. وبعضها في الدنيا، وقيل المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في الدنيا: أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية كما حلنا بينهم وبين ما دعوتهم إليه أول مرة عند ظهور المعجزة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ونذرهم في طغيانهم يعمهون: أي يتحيرون، والكاف في (كما لم يؤمنوا) نعت مصدر محذوف، وما مصدرية، و (يعمهون) في محل نصب على الحال،