ما كان يصنعه بعض المشركين في الدنيا، والضمير عائد إلى الذين أشركوا: أي وبعض الذين أشركوا يستمع إليك حين تتلو القرآن (وجعلنا على قلوبهم أكنة) أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم، والأكنة: الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان، كننت الشئ في كنه: إذا جعلته فيه، وأكننته أخفيته، وجملة (جعلنا على قلوبهم أكنة) مستأنفة للإخبار بمضمونها، أو في محل نصب على الحال: أي وقد جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن، أو لئلا يفقهوه، والوقر: الصمم، يقال وقرت أذنه تقر وقرا: أي صمت. وقرأ طلحة بن مصرف (وقرا) بكسر الواو: أي جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير، وهو مقدار ما يطيق أن يحمله، وذكر الأكنة والوقر تمثيل لفرط بعدهم عن فهم الحق وسماعه كأن قلوبهم لا تعقل وأسماعهم لا تدرك (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) أي لا يؤمنوا بشئ من الآيات التي يرونها من المعجزات ونحوها لعنادهم وتمردهم. قوله (حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين) حتى هنا هي الابتدائية التي تقع بعدها الجمل. وجملة يجادلونك في محل نصب على الحال، والمعنى: أنهم بلغوا من الكفر والعناد أنهم إذا جاءوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان، بل يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين، وقيل حتى هي الجارة وما بعدها في محل جر، والمعنى: حتى وقت مجيئهم مجادلين يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين، وهذا غاية التكذيب ونهاية العناد. والأساطير قال الزجاج: واحدها أسطار. وقال الأخفش: أسطورة. وقال أبو عبيدة أسطارة. وقال النحاس: أسطور. وقال القشيري: اسطير. وقيل هو جمع لا واحد له كعباديد وأبابيل:
والمعنى: ما سطره الأولون في الكتب من القصص والأحاديث. قال الجوهري: الأساطير الأباطيل والترهات.
قوله (وهم ينهون عنه وينئون عنه) أي ينهى المشركون الناس عن الإيمان بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ويبعدون هم في أنفسهم عنه. وقيل إنها نزلت في أبي طالب فإنه كان ينهى الكفار عن أذية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبعد هو عن إجابته (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) أي ما يهلكون بما يقع منهم من النهي والنأي إلا أنفسهم بتعريضها لعذاب الله وسخطه. والحال أنهم ما يشعرون بهذا البلاء الذي جلبوه على أنفسهم قوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من تتأتى منه الرؤية، وعبر عن المستقبل يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره علماء المعاني، و (وقفوا) معناه حبسوا، يقال وقفته وقفا ووقف وقوفا، وقيل معنى (وقفوا على النار) أدخلوها فتكون على بمعنى في، وقيل هي بمعنى الباء: أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها، ومفعول ترى محذوف، وجواب لو محذوف ليذهب السامع كل مذهب، والتقدير: لو تراهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظرا هائلا وحالا فظيعا (فقالوا يا ليتنا نرد) أي إلى الدنيا (ولا نكذب بآيات ربنا) أي التي جاءنا بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم (ونكون من المؤمنين) بها العاملين بما فيها، والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني: أي تمنوا الرد، وأن لا يكذبوا، وأن يكونوا من المؤمنين برفع الأفعال الثلاثة هي قراءة الكسائي وأهل المدينة وشعبة وابن كثير وأبي عمرو. وقرأ حفص وحمزة بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني، واختار سيبويه القطع في (ولا نكذب) فيكون غير داخل في التمني، والتقدير: ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب: أي لا نكذب رددنا أو لم نرد، قال:
وهو مثل دعني ولا أعود: أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني. واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله (وإنهم لكاذبون) لأن الكذب لا يكون في التمني. وقرأ ابن عامر (ونكون) بالنصب وأدخل الفعلين الأولين في التمني. وقرأ أبي (ولا نكذب بآيات ربنا أبدا). وقرأ هو وابن مسعود (يا ليتنا نرد فلا